شريط الأخبار

وَحْدَةُ الصَّفِّ.. فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ وَطَنِيَّةٌ

أ. بلال يوسف اللحام - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف منذ 0 ثانية 3666

إنَّ النَّاظِرَ وَالمُتَأَمِّلَ فِي هَذا الواقِعِ المَرِيرِ يَجِدُ أَنَّ الأُمَّةَ الإِسْلامِيَّةَ تَمُرُّ بِأَزَماتٍ تِلْوَ الأَزَماتِ، وَهِي تَقِفُ مَكانَها وَلا جَدِيدَ!، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلى أَسْبابٍ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَهَمِّها: التَّشَرْذُمُ وَالتَّفَرُّقُ الذِي تَحْياهُ، وَلَعَلَّ السُّؤَالَ الذِي يَطْرَحُ نَفْسَهَ "لماذا؟"، فَتَجِدُ الجَوابَ: أَنَّها ابْتَعَدَتْ عَنْ أُصُولِها القَوِيَّةِ وَأَساساتِها الرَّاسِخَةِ -القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ-، وَنَبِيُّنا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُنا مِنْ هَذا الابْتِعادِ، وَيُرْشِدُنا إلى سَبْيلِ النَّجاةِ، فَيَقُولُ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُما: كِتابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ» [مستدرك الحاكم (1/172)]، فَأُمَّةُ الإِسْلامِ لا تُفَرِّقُها سُدُودٌ وَلا حُدُودٌ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ عِزِّها وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ.

وَدَعا القُرْآنُ الكَرِيمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ إِلى التَّمَسُّكِ بِالْوَحْدَةِ وَالتَّكاتُفِ وَالتَّعارُفِ، وَبَيَّنَ لَنا المَقْصِدَ الأَسْمَى مِنْ خَلْقِنا ذُكُورَاً وَإِناثاً، وَجَعْلِنا شُعُوباً وَقَبائِلَ؛ فَقالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحُجُرات:13]، وَالتَّعارُفُ يَؤُولُ إِلى الوَحْدَةِ وَالتَّكاتُفِ، وَوَصَفَ اللهُ -جَلَّ وَعَلا- عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ بِأَجْمَلِ الأَوْصافِ وَأَحْسَنِها، أَلا وَهِيَ الأُخُوَّةُ، فَقالَ تَعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحُجُرات:10]، إِخْوَةٌ فِي العَقِيدَةِ وَالمَنْهَجِ وَالهَدَفِ، وَحَذَّرَنا مِنَ التَّفَرُّقِ وَالانْقِسامِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال:46].

فَلا فَرْقَ بَيْنَ أَلْوَانِنا وَأَجْنَاسِنا وَلُغَاتِنا إِلَّا بِمِقْياسِ "التَّقْوَى"، قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى» [مُسْنَدُ أَحْمَدَ (38/474)]، وَأَكَّدَ اللهُ هَذا المَعْنَى آمِرَاً إِيَّانا بِالوَحْدَةِ وَالاعْتِصامِ، فَقالَ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عِمْران:103]، فَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَسْتَحِقُّ مِنَّا الشُّكْرَ وَالثَّنَاءَ.

وَالاعْتِصامُ وَالوَحْدَةُ مَحْمُودَانِ، وَالتَّفَرُّقُ مَذْمُومٌ؛ لِأَنَّ الاعْتِصامَ والوَحْدَةِ سَبَبانِ لِلْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَالانْقِسامَ وَالفُرْقَةَ سَبَبٌ لِلْضَّيَاعِ وَالهَلاكِ وَالضَّعْفِ، قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنَّما يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القاصِيَةَ» [مُسْتَدْرَكُ الحاكِمِ (1/330)].

فَالوَحْدَةُ مَطْلُوبَةٌ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ، حَتَّى أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَكَّدَ عَلَيْها فِي أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَالأَحْوَالِ وَأَضْنَكِها، فِي أَجْوَاءِ الخَوْفِ وَالاضْطِرابِ -فِي القِتَالِ-، فَقالَ تَعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصَّفّ:4]، فَإِذا كانَ المَطْلَبُ بِرَصِّ الصُفُوفِ فِي هَذا المَوْطِنِ العَصِيبِ، فَمِنْ بابِ أَوْلَى أَنْ تُرَصَّ الصُّفُوفُ فِي غَيْرِهِ مِنَ المَواطِنِ.

وَما دامَ أَنَّ رَبَّنا واحِدٌ وَدِينَنا واحِدٌ وَقُرْآنَنا واحِدٌ وَرَسُولَنا واحِدٌ؛ فَعَلَى مَاذا يَكُونُ الاخْتِلافُ ؟، فَيَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نَعْلَمَ؛ أَنَّ عَدُوَّنا مُوَحَّدٌ ضِدَّنا، كَما كَانَ أَسْلافُهُ مِنْ أَتْباعِ مِلَّةِ الكُفْرِ وَالعَرْبَدَةِ مِنْ زَمَنِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ وَحَتَّى عَصْرِنا هَذَا، فَنَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ لا سَبِيلَ لِلْنَّصْرِ عَلَيْهِ وَطَمْسِهِ وَدَحْرِهِ إِلَّا بِوَحْدَةِ الكَلِمَةِ وَرَصِّ الصُفُوفِ.

وَأَخِيراً، نَسْأَلُ اللهَ سُبْحانَهُ وَتَعالى أَنْ يَجْعَلَنا إِخْوَةً مُتَحابِّينَ مُتَناصِحِينَ مُوَحَّدِينَ، وَأَنْ يُهَيِّئَنا لِنُصْرَةِ الإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ آمِينُ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.

مقالات مشابهة

وَحْدَةُ الصَّفِّ.. فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ وَطَنِيَّةٌ

منذ 0 ثانية

أ. بلال يوسف اللحام - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

لِهَذا حُقَّ لَنا أَنْ نَفْرَحَ بِرَمَضانَ!

منذ 20 دقيقة

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

لماذا يهرب الناس من المساجد؟

منذ 21 دقيقة

أ. فتحي عبد الستار – داعية إسلامي

طريقنا نحو طفل قلبه معلق بالمسجد

منذ 21 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

وَحْدَةُ الصَّفِّ.. فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ وَطَنِيَّةٌ

منذ 0 ثانية3666
الأسس العامة للفكر الإسلامي

منذ 1دقيقة6790
مفهوم الحب والتعاون الدعوي وأثرهما على رواد المسجد

منذ 1دقيقة3265
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi