شريط الأخبار

الواعظ المؤثر

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين منذ 0 ثانية 3068

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ من أهم ما يحتاجُهُ الناس في زماننا كلمة بليغة تؤثر في نفوسهم، تردعهم عن المعاصي، وتدفعهم إلى الطاعات، وقد كان سيد المرسلين محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعظ أصحابه ويتخولهم بالموعظة فتؤثر في نفوسهم وتخشع قلوبهم، وتدمع عيونهم، وتذل نفوسهم لله الواحد القهار، فعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظةُ مُودِّعٍ؛ فأوصنا، قال: »أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، فإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي« [رواه الترمذي].

ففي هذا الحديث وفي غيره دلالة على أن للكلمة تأثيرها، وكلما كان الواعظ قريباً من الله بفعل الطاعات واجتناب المنهيات؛ كان تأثيره أكبر وأقرب، حتى أن مِن الناس مَن لو رُؤوا لذكر الله، وتأثر الرائي بسمتهم ونور وجوههم؛ ولهذا جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »أولياء الله تعالى: الذين إذا رُؤوا ذكر الله تعالى« [صححه الألباني].

فكم يحتاج الناس إلى الواعظ المؤثر الذي يهز القلوب، فيخرج ما فيها من رانٍ وقسوة، ويدخل إليها أنوار الهداية والحكمة، وفي الأمة بفضل الله تعالى من يقوم لله بحجته، ويرقق قلوب العباد، وهم علماء ودعاة منتشرون في رحاب أرض الله، قد أوتوا من ثمار الحكمة والبيان حظاً وافراً وذلك فضل والله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

ولذلك فمما ينبغي للقائمين على أنشطة المساجد في كل بلد أن ينشئوا الواعظ المؤثر، ويستغلوا هذه المهارة العزيزة في نفوس بعض الناشئين، فإذا ما رؤي شاب من شباب التحفيظ لديه قدرة على التأثير والوعظ فينبغي ألا يهمل، بل يجب توجيهه التوجيه السليم؛ ليكون يوماً من الأيام علماً بارزاً من أعلام الدين، ولا ينبغي إهمال تلك المواهب والقدرات، فكم من صغير كان يظنُّ أنه لن يفعل شيئاً، فإذا هو في يوم من الأيام عظيم من العظماء! وحكيم من الحكماء، وعالم من العلماء.

وليس المهم فقط أن يُحشى ذهن الطالب بالمعلومات فحسب دونما النظر إلى سلوك الشخص وتقواه وأخلاقه مع الناس، بل يجب التركيز على هذه الأمور حتى يكون واعظاً مؤثراً، يكون واعظاً بأفعاله قبل أقواله، فإذا قال وتكلم اهتزت الدنيا لكلامه، وخشعت القلوب لما يلقى عليها من جوامع الكلم، بالأسلوب العالي المؤثر.

وهاك أخي بعض صفات الواعظ المؤثر:

1. الإخلاص لله تعالى في أعماله، وجمع همه على رضوان الله.

2. العمل بما يقول، فكم من واعظ أفسد قولَهُ بفسادِ عملِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، بل قد يكون بأفعاله السيئة المخالفة لأقواله من الصادين عن سبيل الله - نعوذ بالله من الخذلان-، فيجب التنبه لهذا و إلا كان المرء على خطر كبير.

3. أن يكون قصده نفع المستمعين والتأثير في قلوبهم؛ لإصلاح سلوك في واقع حياتهم، وأن لا يبتغي من وراء ذلك مدحاً ولا ثناءً ولا جزاء إلا من الواحد الأحد، فإذا كان بهذه الصفة واجتمع إلى ذلك رفعة في الخطاب، وقوة في الأسلوب، وفصاحة في الكلام أثر كلامه أيما تأثير بإذن الله.

4. أن يستعين بالله تعالى قبل إلقاء خطابه أو موعظته، ويسأله النفع به، ويكثر من الاستغفار قبل وبعد الخطاب، فقد كان بعض السلف الصالح إذا أقدم على أمر يقول: "اللهم بك أصول وبك أجول وبك أحاول".

والشأن كل الشأن في قرب العبد من ربه، والفرح بذكره، والطمأنينة بمناجاته، فكلما كان العبد كذلك، كان له تأثير وقبول بين الناس؛ وذلك لأن الله إذا أحب عبداً جعل له القبول في الأرض، ومعلوم أن حب الله لعبده لا يكون إلا بالقرب من الله بفعل الواجبات والسنن والنوافل، والبعد عن المعاصي والسيئات؛ كما جاء في الحديث القدسي المشهور من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: »إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأُعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته« [رواه البخاري]، والدليل على أن الله إذا أحب عبداً وضع له القبول والتأثير والحب والتقدير بين الناس ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »إذا أحبَّ اللهُ عبداً نادَى جبريل: "إنَّ الله يحبُّ فُلاناً فأحبه" فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: "إن الله يحب فلاناً فأحبوه"، فيحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض« [رواه البخاري].

وكم من بليغ فصيح يأتي بالكلمات الغريبة، والعبارات الفصيحة، لا يزن كلامه عند الله جناح بعوضة! ولا يرفع الله به جاثماً، ولا يحرك به ساكناً، ولا يُوقظ به من غفلة؛ بسبب عدم توفر شروط الواعظ المؤثر، وضعف الإرادة والنية، وحب الظهور والرياء، وما إلى ذلك من الأمور المشينة، التي تُضعِفُ القبولَ عند الناس بل تُعدمه.

فينبغي للمشرفين على المساجد أن يتنبهوا إلى ضرورة تربية الطلاب على حُبِّ الله ورسوله، ومراقبة الله أينما كانوا، وكثرة التقرب والتعبد لله، وملازمة ذكر الله في كل حال، والإخلاص له في كل قول وعمل؛ حتى يكونوا شعلة عالية تضيء أرجاء الأرض التي عم فيها الجهل، والجرأة على الله، والشرك والوثنية، وعبادة المال والطاغوت، ونسيان الدار الآخرة.

نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين، وأن يجعلهم دعاة خير إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مقالات مشابهة

الواعظ المؤثر

منذ 0 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

أئمة المساجد.. ومسؤولية التوجيه

منذ 6 دقيقة

د. عبد الرحمن العشماوي – داعية اسلامي

الاستيعاب في الدعوة والداعية

منذ 7 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية - فلسطين

التواصل مع الأقران وغيرهم في حياة الداعية

منذ 7 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية - فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الواعظ المؤثر

منذ 0 ثانية3068
هكذا هُوَ دَوْرُ العُلَمَاءِ

منذ 4 ثانية2800
التَّفاؤُلُ وَأهَمِّيَّتُهُ فِي الإِسْلامِ

منذ 8 ثانية2918
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi