شريط الأخبار

مَسِيرَةُ العَوْدَةِ بَيْنَ فِقْهِ الوَاقِعِ وَ فِقْهِ الظَّاهِرِ

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين منذ 0 ثانية 2565

إِنَّ مِنْ فَتْحِ اللهِ عَلى أَهْلِ العِلْمِ وَالفِكْرِ وَأَهْلِ الفِقْهِ وَالرَّأْيِ وَالاسْتِنْبَاطِ تَوْفِيقَهُ لَهُمْ أَنْ جَمَعَهُمْ عَلى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِالاتِّفَاقِ عَلى الخُرُوجِ فِي مَسِيرَةِ العَوْدَةِ الكُبْرَى، وَلَمْ يُرَ أَهْلُ غَزَّةَ قَبْلَ اليَوْمِ مُتَوَحِّدِينَ مُتَّفِقِينَ مِثْلَما فَعَلَتْ بِهِمْ هَذِهِ المَسِيرَاتُ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ العِلْمِ الذِينَ يَقِفُونَ مَعَ ظَاهِرِ النُّصُوصِ وَبُطُونِ الكُتُبِ الصَّفْرَاءِ شَكَّكُوا فِي مَشْرُوعِيَّتِها وَثَبَّطُوا عَنْها غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ لِطَبِيعَةِ الصِّرَاعِ وَشِدَّةِ الكَيْدِ الذِي يَلْقَاهُ أَهْلُ غَزَّةَ خَاصَّةً وَفِلَسْطِينَ عَامَّةً مِنَ التَّهْوِيدِ وَالحِصَارِ وَتَذْوِيبِ الهُوِيَّةِ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: اللهُ أَمَرَنا بِالْقِتَالِ لا مُسَالَمَةِ المُعْتَدِي، وَقَائِلٌ يَقُولُ: يُلْقُونَ بِالْنَّاسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَآخَرُ يَقُولُ: عَبَثٌ، وَآخَرُ نَظَرَ إِلَى مَنْ جُرِحَ أَوْ قُتِلَ -وَهُوَ خَالٍ مِنَ السِّلَاحِ- فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَنَهَى عَنِ الخُرُوجِ فِي المَسِيرَةِ، وَغَفَلَ كَثِيرٌ مِنْ إِخْوَانِنَا عَنِ الوَاقِعِ وَمَا يُحَاكُ بِهِ مِنَ المُؤَامَرَاتِ خَاصَّةً مَا أَسْمَوْهُ بِصَفْقَةِ القَرْنِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ المُسْلِمِينَ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يُفْسِدُهُمْ، قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "ِإنَّ شَرِيعَةَ اللهِ كُلَّها مَصْلَحَةٌ وَعَدْلٌ وَرَحْمَةٌ، فَأَيُّمَا أَمْرٍ خَرَجَ مِنَ المَصْلَحَةِ إِلَى المَفْسَدَةِ، وَمِنَ العَدْلِ إَلَى الجُورِ، وَمِنَ الرَّحْمَةِ إِلَى ضِدِّها فَلَيْسَ مِنَ الشَّرِيعَةِ فِي شَيْءٍ".

فَالنَّاظِرُ إِلَى وَاقِعِ أَهْلِ غَزَّةَ يَرَى أَنَّ الحِصَارَ يَشْتَدُّ وَالجُوعَ يَخْنُقُ النَّاسَ، وَمَوَازِينَ القُوَى لَا تَتَكَافَأُ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ نِسْبَةَ القُوَّةِ فِي قِتَالِ المُعْتَدِينَ لِلْضُّعَفَاءِ وَاحِدًا لِاثْنَيْنِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيْكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنْفال:66]، فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ أَنَّ مِيزَانَ القُوَّةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اليَهُودِ وَاحِدٌ إِلَى مِائَةٍ فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِدَاً لِاثْنَيْنِ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ وَرْطَةِ الحِصَارِ بِوَرْطَةِ الحَرْبِ وَالدَّمَارِ؟، هَذَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّنا نُقَاتِلُ اليَهُودَ وَحْدَهُمْ فَكَيْفَ وَمَعَهُمُ الأَمْرِيكَانُ وَصَهَايِنَةُ العَرَبِ مِمَّنْ يُرِيدُونَ القَضَاءَ عَلَى قَضِيَّتِنا، ثُمَّ مَتَى ابْتَدَأَ أَهْلُ غَزَّةَ القِتَالَ مَعَ اليَهُودِ بَلْ دَائِمَاً اليَهُودُ هُمُ المُعْتَدُونَ البَادِئُونَ بِالْعُدْوَانِ.

اَمَّا قَوْلُ القَائِلِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَمُتْ حَتَّى وَادَعَ أَقْوَامَاً وَحَارَبَ أَقْوَامَاً، وَكَانَتْ مَصْلَحَةُ المُسْلِمِينَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ فِي كُلِّ شَأْنِهِ، وَالزَّمَانُ اخْتَلَفَ، وَأَصْبَحَ العَالَمُ قَرْيَةً صَغِيرَةً، وَمَوَازِينُ القُوَى اخْتَلَفَتْ، وَطَبِيعَةُ الحَرْبِ وَالصِّرَاعِ اخْتَلَفَتْ، وَأَضْحَى الرَّأْيُ الدُّوَلِيُّ مُؤَثِّرَاً بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الدُّوَلِ التِي تَدَّعِي الحُرِّيَّةَ وَالدِيمُقْرَاطِيَّةَ كَإِسْرَائِيلَ وَأَمْرِيكَا، وَغَدَا الإِعْلَامُ السِّلاحَ الأَمْثَلَ فِي تَوْجِيهِ الصِّرَاعِ وَقَلْبِ المَوَازِينِ، فَإِذَا مَا رَأَى النَّاسُ عَبْرَ الدُّوَلِ المُخْتَلِفَةِ الفِلَسْطِينِيِّينَ الغَزِّيِّينَ مُجْتَمِعِينَ مُحْتَشِدِينَ بِمِئَاتِ الآلافِ عَلِمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ قَضِيَّةٍ وَأَنَّ الأَرْضَ أَرْضُهُمْ وَالوَطَنَ وَطَنُهُمْ، فَهَـلْ سُمُّوا فِلَسْطِينِيِّينَ إِلَّا بِفِلَسْطِينَ؟

وَلَمَّا رَأَى الحُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْهَبُ بَعِيدَاً عَنْ مَاءِ بَدْرٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهُوَ وَحْيٌ أَمِ الرَّأْيُ وَالحَرْبُ وَالمَكِيدَةُ؟، فَقَالَ: «بَلِ الرَّأْيُ وَالحَرْبُ وَالمَكِيدَةُ»، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالاقْتِرَابِ مِنْ آبَارِ بَدْرٍ، فَكَانَتْ مَعْرَكَةُ بَدْرٍ وَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ فيها، فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجْتَهَدَ فَخَالَفَهُ صَحَابِيٌّ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ رَأْيَهُ أَمْثَلَ أَخَذَ بِهِ، وَهَكَذا كُلُّ مَا يَرَاهُ أَهْلُ الاسْتِنْبَاطِ يَصُبُّ فِي مَصْلَحَةِ المُسْلِمِينَ -وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ قَلِيلٌ- فَهُوَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الدِّينِ، وَقَدْ أَحْدَثَتْ مَسِيرَتُنا ضَجَّةً فِي الضَّمِيرِ العَالَمِيِّ، ارْتَعَبَ لَهَا الصَّهَايِنَةُ وَأَعْوَانُهُمْ.

وَأَضْحَى تَكْثِيرُ سَوَادِ المُسْلِمِينَ وَالخُرُوجُ فِي مَسِيرَاتِ الغَزِّيِّينَ مِنَ العُدَّةِ التِي أَمَرَ اللهُ بِإِعْدَادِها، قَال تَعَالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال:60]، فَمَقْصُودُ الآيَةِ وَعِلَّتُهَا هُوَ إِحْدَاثُ الرُّعْبِ وَالقَلَقِ لِلْيَهُودِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ، وَالعِلَّةُ كَمَا قَرَّرَ الأُصُولِيُّونَ تَدُورُ مَعَ الحُكْمِ وُجُودًا وَعَدَمَاً، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ المَسِيرَاتِ مِنَ العُدَّةِ التِي أَمَرَ اللهُ بِإِعْدَادِها، وَقَدْ تَابَعْنا مُؤَخَّرًا آرَاءَ الصَّهَايِنَةِ وَسَاسَتِهِمْ وَرُعْبَهُمْ مِنْ هَذِهِ الحُشُودِ المُبَارَكَةِ.

ثُمَّ إِنَّهُ مَنْ يُقْتَلُ وَإِنْ خَالَفَ ضَوَابِطَ المَسِيرَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ بِإِذْنِ اللهِ، وَالجَرِيحُ أَجْرُهُ عَلى اللهِ، ثُمَّ إِنَّها دَفْعُ مَفْسَدَةِ الحِصَارِ الخَانِقِ المُحْكَمِ وَالمَوْتِ البَطِيءِ بِمَفْسَدَةِ قَتْلِ البَعْضِ وَجَرْحِهِمْ، فَلا يُقِيمُ عَلى المَفْسَدةِ الكُبْرَى لِأَجْلِ دَفْعِ المَفْسَدَةِ الصُّغْرَى إِلَّا مَنْ غُلِبَ عَلى عَقْلِهِ وَاتُّهِمَ فِيهِ.

وَنَقُولُ لِإِخْوَانِنا المُشَكِّكِينَ فِي المَشْرُوعِيَّةِ: إِنَّ هَذِهِ المَسِيرَةِ مِنَ الأُمُورِ الاجْتِهَادِيَّةِ التِي يُؤْجَرُ فِيهَا المُجْتَهِدُ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئَاً، فَكَيْفَ وَقَدْ حَصَلَ شِبْهُ الإِطْبَاقِ وَالإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالشُّورَى وَالرَّأْيِ وَالفِكْرِ وَالثَّقَافَةِ وَالعَسْكَرِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقْتِصَادِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ المَسِيرَةَ تَصُبُّ فِي صَالِحِ أَهْلِ غَزَّةَ، وَأَمَّا أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيْنا بِعُلَمَاءِ قُطْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الذِينَ يَخْدِمُونَ مَصَالِحَ مُعَيَّنَةً، فَأَهْلُ البَلَدِ أَوْلَى بِالإِفْتَاءِ فِيهَا كَمَا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَدْرَى بِشِعَابِهَا.

فَيَا أَخِي المُعْتَرِضَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ النَّاصِرِينَ المُكَثِّرِينَ سَوَادَ المُسْلِمِينَ، فَلَا تَكُنْ مِنَ المُخَذِّلِينَ المُضْعِّفِينَ صَفَّ المُسْلِمِينَ الشَّاقِّينَ عَصَاهُمْ، وَلِتَعْلَمْ بِأَنَّ يَدَ الحَقَّ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَأَنَّ لِلْحَرْبِ وَقْتَها، وَأَنَّ لِلْمَسِيرَاتِ وَالإِعْلَامِ وَالتَّعْبِئَةِ وَالحَشْدِ وَقْتَهُ، وَهَلِ البَلَاغَةُ إِلَّا مُرَاعَاةُ مُقْتَضَى الحَالِ؟!، وَمَا وَعْدُ الآخِرَةِ عَنَّا بِبَعِيدٍ بِإِذْنِ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالي: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾ [الصافَّات:171].

مقالات مشابهة

لِهَذا حُقَّ لَنا أَنْ نَفْرَحَ بِرَمَضانَ!

منذ 3 دقيقة

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الأَسْرَارُ الخَفِيَّةُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ البَهِيَّةِ

منذ 4 دقيقة

أ.د محمود خليل أبو دف - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

المساجد والمنابر رسالة ومنهج  [3-2]

منذ 6 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

مَسِيرَةُ العَوْدَةِ بَيْنَ فِقْهِ الوَاقِعِ وَ فِقْهِ الظَّاهِرِ

منذ 0 ثانية2565
مشروع مكتبة البيت المسلم

منذ 23 ثانية3010
مسجد الإيمان - الشيخ رضوان

منذ 58 ثانية4322
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi