شريط الأخبار

القٌدس مِحَكٌّ الرِجال

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين منذ 0 ثانية 2896

إنّ القارئ لتاريخ بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، والمتأمل لأحوال الأمم التي عاشت فيه عبر الأزمنة، والمتابع لأحداث وحركة المجتمعات والشعوب لا سيما في عصور الرسالات السماوية الثلاث (اليهودي، المسيحي، الإسلامي)، ليلحظ بشكل جلي أن هذا المكان المقدس وهذه البقعة المباركة من الأرض، كأنما جعلها الله ابتلاءً للأمم والشعوب، وامتحاناً لصدق هويتهم وصلاح حالهم وعمرانهم وانتظام قيمهم، ومؤشراً لمدى قيامهم بأمر الله وفق أصول المنهج الرباني والشريعة الغراء.

وأن الأمم صاحبة الرسالة السماوية لما حادت عن الصراط المستقيم، كثيراً ما عاقبها الله بأن سلط عليهم من ينزع هذه الأرض من سلطتهم ونفوذهم، ويخرجهم منها عنوة بسبب انحرافهم عن الجادة، ولا ترجع لحوزتهم حتى يعودوا لمنهج الله ويأخذوا بسنن القوة والنصر والتمكين.

كما يلحظ أن هذه البقعة المقدسة وما حولها -لا سيما في العهد الإسلامي- مِحَك الرجولة والرجال وسبر الأنفة وعَجم الشجاعة والحمية، وموطن القادة ومحور الكرامة، وأنها أبت -وستبقى- الخضوع والمهانة والاستكانة، و طالما ما استعصت على الغاشم والمحتل، و امتنعت على الغاصب وكل النذل.

وهي بؤرة صراع الحضارات والأيدولوجيات والأفكار والمدنيات -صراع وجودٍ وبقاء-، ومحل نزاع الحكام والزعماء، ومحط نظرهم ومصدر قوتهم ودليل بطولتهم، فظلت ساخنة حاميةً وستبقى تغلي بالنزاعات حتى حين.    

التاريخ يعيد نفسه

وفقاً للعلامة ابن خلدون -رحمه الله- فإن التاريخ يعيد نفسه ويكرر سوابقه ووقائعه، وهذا ينطبق على البقعة المقدسة بشكلٍ ظاهر، وكان جلياً في أخبارها ونزاعات الدول و أحوال الأمم والأجيال التي عاشت فيها، لكن الملفت أكثر، تكرار الأخطاء والزلات التي وقع فيها السابقون، وعدم الاستفادة من عبر التاريخ ودروسه، بل وعدم وضوح سنن النصر وقوانين القوة وأسباب التسخير والتمكين للأمم والمجتمعات، وفي المقابل عدم الوقوف على أسباب الضعف والهوان التي تجتاح الدول والأنظمة، ومجرد الاكتفاء بالرصد التاريخي (السلبي) للأحداث دون معرفة لماذا وكيف وقعت؟، وكيف يمكن تلافي نفس العواقب والنتائج في مستقبل الأيام والعهود؟.

تعجبني مقولة كارل ماركس حين يقول: "التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة".

وهو كلامٌ أحسبه دقيقاً على واقع القدس وتاريخها وأحداثها -ناهيك عن التاريخ ككل-، ففي المرة الأولى التي نزع فيها بيت المقدس من سلطة الأمة الإسلامية إلى حوزة وسلطة النصارى في الحروب الصليبية، كانت مأساةً حقيقية بمعنى الكلمة، يشهد لها القاصي والداني من المسلمين بل ومن غيرهم، لكن احتلاله -أي القدس

مرة أخرى وعلى أيدي أذل شعوب الأرض وأجبنها، فالأمر فعلا مهزلةً أكثر من كونه مأساة، بل وظلت المهازل ترتكب في حق البقعة المقدسة والأرض المباركة وأهلها حتى يومها هذا على مشهدٍ ومرأى من المسلمين حكاماً ومحكومين و لا حول ولا قوة إلا بالله!.

إن الملفت في تاريخ الأمة الإسلامية وحكمها لهذه البقعة المقدسة، أن تحريرها لم يكن على أيدي السلطة الرسمية الحاكمة، ولا الخلافة الناظمة لشؤون الرعية -فقد كانت في غيبة وغيبوبة عن كثير من أحداث القدس- بل كان على أيدي قادة أبطال ومصلحين مجددين وعلماء حكماء متطوعين بغير تكليف وتعيين رسمي، وأصحاب مبادرات ومبادآت وذوي مشاريع ورؤى، أهمهم أمر القدس وشأن أهلها، وأغمهم تدنيسها على أيدي الفجرة الفسقة، والظاهر أن تخليصها من أيدي يهود سيكون على أيدي أمثال هؤلاء والله أعلم!. 

فلا تعولوا كثيرا معاشر المسلمين على صناع القرار والمتنفذين، ولا تتوقعوا منهم ما يشفي الصدور ويقر العيون! ووفروا صيحاتكم وصرخاتكم وجهودكم للمرؤوسين لا للرؤساء، واستعينوا بالحكماء لا الحكام، فحاجتنا اليوم لحكمة نافذة من بصير حكيم أكبر وأهم من عوزنا لحُكم حاكم متخاذل أو كليل!.

التاريخ وتحريك المشاعر

كثيرا ما يلجأ الوعاظ والخطباء في مثل هذه الأحداث الساخنة التي تعيشها الديار المقدسة في فلسطين إلى سرد تاريخنا المشرف في تحرير القدس الشريف والأماكن الطاهرة، وسِيَر عظمائنا وبطولاتهم في رفع راية العزة عاليا في سمائها وعلى ترابها، وذلك لأجل تحريك المشاعر نحو العزة والكرامة ورفع معنويات الناس في زمن المهانة والذلة، وهي غاية نبيلة وهدف شريف، لكنه لا يكفي، فمفعول المشاعر ودغدغة العواطف والضرب على وتر الحمية سريعا ما ينتهي بانتهاء الحدث أو خفوته على الأقل!.

والأهم هو: استخلاص العبر والنظريات والرؤى والمشاريع والخطط، وتوجيه الناس نحو الفعل بعد الانفعال، و تقديم شيء لمسرى النبي -عليه الصلاة والسلام- مهما كان بسيطا متواضعا، فالكل مسؤول، والجميع محاسب على التفريط والتقصير في ثاني بيت وضع للناس، وأول قبلة شرعت للمسلمين .

مقالات مشابهة

القٌدس مِحَكٌّ الرِجال

منذ 0 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

المتساقطين على طريق الدعوة (كيف .. ولماذا؟)

منذ 22 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

رفع الصوت بالأذان والإقامة

منذ 28 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

دور الخطيب في نصرة القضية الفلسطينية

منذ 37 ثانية

الشيخ / أحمد حسنين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

القٌدس مِحَكٌّ الرِجال

منذ 0 ثانية2896
المتساقطين على طريق الدعوة (كيف .. ولماذا؟)

منذ 22 ثانية2970
رفع الصوت بالأذان والإقامة

منذ 28 ثانية3172
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi