شريط الأخبار

التَّرْبِيَةُ الإِيمَانِيَّةُ

أ. محمود سلامة - خطيب بوَزارة الأَوْقاف منذ 0 ثانية 2592

الإِيمَانُ: هُوَ اتِّصَالُ هَذَا الكَائِنِ الإِنْسَانِيِّ الفَانِي الصَّغِيرِ المَحْدُودِ بِالأَصْلِ المُطْلَقِ الذِي صَدَرَ عَنْهُ هَذَا الوُجُودُ، ثُمَّ اتِّصَالُهُ بِهَذَا الكَوْنِ بِفَهْمِ السنن الكونية الإلهية، وَتَسْخِيرِهِ لِمَا فِي الكَوْنِ؛ لِتَحْقِيقِ الغَايَةِ الكُبْرَى التِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا الإِنْسَانُ، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والتي يدخل فيها الاستخلاف في الأرض واستعمارها، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30]، وقال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود:61].

إِنَّهُ صِرَاطُ اللهِ المُسْتَقِيمُ الذِي دَعَانَا إِلَيْهِ لِنَهْتَدِيَ بِهِ، فقال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:6-7]، صِرَاطُ الوَحْدَانِيَّةِ للهِ الرَّبِّ الجَلِيلِ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الفاتِحَة:2]، صِرَاطُ تَحْكِيمِ دِينِ اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النِّساء:65]، فَالإِيمَانُ هُوَ الذِي يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ الحَيَاةَ كُلَّهَا، وَيُسَيْطِرَ عَلى حَرَكَاتِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَيُوَجِّهَهُمْ لِتَحْقِيقِ تِلْكَ الغَايَةِ العَظِيمَةِ التِي خَلَقَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِهَا، أَلَا وَهِيَ العِبَادَةُ.

فَالإِيمَانُ عُنْوَانُ التَّصَوُّرِ المَوْزُونِ، وَضَمَانَةُ الثَّبَاتِ أَمَامَ مَخَاطِرِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يَرْتَبِطُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ ارْتِبَاطاً وَثِيقَاً، قَالَ تَعَالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:1-3]، ثُمَّ هُمَا (الإِيمَانُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ) سَبَبُ الإِحْيَاءِ حَيَاةً طَيِّبَةً، قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97]، فَبَيْنَهُمَا اقْتِرَانٌ مُتَلَازِمٌ لِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ، وَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ دُونَ عَقِيدَةٍ إِيمَانِيَّةٍ تَسْبِقُهُ يَكُونُ هَبَاءً مَنْثُورًا.

وَمُبْتَدَأُ العَمَلِ الصَّالِحِ العِبَادَاتُ الشَّعَائِرِيَّةُ كَالصَّلَاةِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ: صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» [رواه الترمذي]، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَدَلِيلُ الإِيمَانِ الإِتْقَانُ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالإِبْدَاعُ فِيهَا، فَلَا يَكْفِي العَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ لا بُدَّ مِنَ الإِحْسَانِ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النَّحْل:90].

وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَشْمَلُ كُلَّ خَيْرٍ يُؤَدِّيهِ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَلِلْآخَرِينِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» [رواه مسلم]، وَمِنْ هُنَا لا بُدَّ مِنَ التَّرْبِيَةِ الإِيمَانِيَّةِ قَبْلَ مُمَارَسَةِ العَمَلِ السِّيَاسِيِّ وَإِلَّا سَيُؤَدِّي إِلَى مَهَالِكَ بِسَبَبِ الخِيَانَةِ، وَلا بُدَّ مِنَ التَّرْبِيَةِ الإِيمَانِيَّةِ قَبْلَ امْتِلَاكِ المَالِ، وَإِلَّا سَيُؤَدِّي إِلى اسْتِغْلَالٍ لِأَصْحَابِ المَصَالِحِ ثُمَّ انْهِيَارٍ اقْتِصَادِيٍّ، وَلا بُدَّ مِنَ التَّرْبِيَةِ الإِيمَانِيَّةِ قَبْلَ امْتِلَاكِ السِّلَاحِ وَإِلَّا سَيَكُونُ التَّهَوُّرُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ وَاسْتِغْلَالُ مُخَابَرَاتِ الأَعْدَاءِ لَهُمْ، وَلا بُدَّ أن تَصِيرَ التَّرْبِيَةُ الإِيمَانِيَّةُ بِشَكْلٍ مُتَوَازٍ مَعَ العِلْمِ وَالعَمَلِ وَإِلَّا سَتَكُونُ الإِبْدَاعَاتُ خَادِمَةً لِلأَعْدَاءِ مِنْ حَيْثُ نَدْرِي أَوْ لا نَدْرِي، وَسَيَتِمُّ اسْتِغْلَالُها ضِدَّ الإِنْسَانِيَّةِ.

مقالات مشابهة

التَّرْبِيَةُ الإِيمَانِيَّةُ

منذ 0 ثانية

أ. محمود سلامة - خطيب بوَزارة الأَوْقاف

عَلامَاتُ القُرْبِ مِنَ اللهِ

منذ 26 ثانية

أ. سليم محسن الشرفا - خطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقافِ

الأَسْبابُ التِي تُعِينُ عَلى النَّصْرِ

منذ 2 دقيقة

أ. بكر سليمان الزاملي - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

هَكَذا جَعَلُونِي مُفْطِرًا!

منذ 3 دقيقة

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

التَّرْبِيَةُ الإِيمَانِيَّةُ

منذ 0 ثانية2592
عَلامَاتُ القُرْبِ مِنَ اللهِ

منذ 26 ثانية2728
أهمية خطبة الجمعة

منذ 1دقيقة4310
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi