شريط الأخبار

ثقافة الوفاق

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين منذ 0 ثانية 2822

الأخوة شِرعة دعوتنا وشعارها واسمها ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات:10]، وهي ركيزة أساسية من ركائز هذا الدين وعليها قام كيان الجماعة المسلمة الأولى؛ هذه الأخوة طريق الحب والألفة والوفاق، الناس في ظلالها تتوحد ألفاظهم فضلاً عن قلوبهم وأرواحهم، كما قال محمد إقبال: نحن من نَعمائه حلف إخاء ** قلبنا والروح واللفظ سواء.

وأساس أخوتنا "الإيمان" فحيثما وجد كانت الأخوة، حتى ولو تباينت اللغات وتباعدت البلدان واختلفت الاجتهادات في وسائل العمل للإسلام، فيكفي العقيدة الصحيحة والفقه السليم، كي تقوم على أساسه الأخوة الصادقة، التي في ظلالها يحب المسلم أخاه المسلم وينصره ولا يخذله.

ويحسن أن ننوه أن هناك طائفة من شباب الصحوة ممن أعماهم الانتصار للحزب والجماعة والتنظيم يمارسون الأخوة بصورة مشوهة مبتورة، فهو يبيح لنفسه أن يقع في أعراض إخوانه ممن لا ينتمون لتنظيمه وحزبه ويطلق لسانه في الحديث عنهم وسيئاتهم وهو في نفس الوقت يتحرج من ذكر حسناتهم، وكأن هذا التجريح والطعن في نظر هؤلاء يَخرج من دائرة الغيبة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها.

إن "ثقافة الوفاق" التي ندعو لها ونُذكِّر بها ليست من قبيل الترف الفكري بقدر ما هي أصل لن تقوم للأمة قائمة إلا به، قال القاضي عياض -رحمه الله-: "والألفة إحدى فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام"، فما أسمى هذه الكلمة، فإنها من أعظم فقه الإسلام عند العلماء الأعلام، وأهمية التوحد والاجتماع والاتفاق والائتلاف في الشرع الحنيف أوضح من أن تُبَيَّن، فنصوص الكتاب والسنة وأقاويل علماء السلف من الصحابة متضافرة في هذا الباب ومن ذلك:

- "المسلم أخو المسلم": هذه مقولة نبوية بل بديهية أولية من بديهيات الإسلام، ولكن تعالوا ننظر في واقعنا نحن الإسلاميين، هل ينظر كل منا إلى الآخرة هذه النظرة، وهل يطبق معه هذه البديهة فـ "لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره".

- "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى": كلمات مضيئة من مشكاة النبوة، فهل تربت أجيال شباب الصحوة في التجمعات الإسلامية على ذلك الخلق السامي مع "كل المؤمنين" ولو كانوا مخالفين في "الانتماء" أو مغايرين في الفكر، ثم ما حقيقة هذا الانتماء وقيمته إذا كان يدعو إلى القطيعة بين المؤمنين الذين "تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم".

- "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا": وشبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصابعه"، فهل أقمنا البنيان على مبدأ الأخوة والمحبة في الله أم أقمناه على أساس كذا، وكذا، وكذا، حتى أصبحت مبانينا يَهُدُّ بعضها بعضًا، بدلاً من أن يَشُدَّ بعضها بعضًا!.

- عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، فهل سلم كل المسلمين الموحدين من ألسنتنا أم سلمت طائفة ممن هم كذا، وكذا، ولم تسلم طائفة؟.

- "المؤمن مُؤْلِفٌ، ولا خير فيمن لا يَألَف ولا يُؤْلَفْ": هذه ثقافة "الألفة والوفاق" فالمؤمن يألف لحسن أخلاقه وسهولة طباعة ولين جانبه، فإذا كان آلفًا مألوفًا انتصر بالألفة على أعاديه وامتنع من حاسديه.

ما أحوج الأمة في هذه الأيام إلى "ثقافة الأخوة" و"فقه الوفاق" وهي تتعرض إلى هجوم محموم من أعدائها لم يسبق له مثيل في تاريخها شبهه النبي -صلى الله عليه وسلم- بـ " تداعي الأكلة على قصعتها".

ما أحوجنا إلى الصف المرصوص وقلب الرجل الواحد وتداعي الجسد الواحد وخفض الجناح ولين الجانب والتآخي والتصافي والتراحم والتواد؟ بدلاً من التخاصم والتنافر والتنازع والتدابر، هذه التي لا يفرح الشيطان بشيء كفرحه بها وفي هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: »إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم« [رواه مسلم].

إن ذلك التحريش قد يوقعه الشيطان بين أهل الصلاة بحزازات وعصبيات حزبية تنظيمية ضيقة أو خلافات فكرية أو فروق طبقية أو عرقية والتي هي من دعوى الجاهلية التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: »دعوها فإنها منتنة« [متفق عليه]، فأين موقع التحصين من تلك المخاطر في منهجنا التربوية وبرامجنا التعليمية والتثقيفية؟.

"لقد وُفقت الصحوة الإسلامية في تجاوز عقبات كثيرة في أثناء مسيرتها في العقود الأخيرة فأحرزت إنجازات وانتزعت نجاحات واختطت طريقها وسط كثير من العراقيل بتوفيق وسداد، ولكننا يجب أن نعترف أنها أخفقت في تأمين الحد الأدنى من وحدة الأمة؛ لتقصيرها في بذل الحد الأدنى من العوامل الشرعية لوحدة هذه الأمة لا على المستوى العام فقط بل على المستوى الخاص أيضًا، مستوى الإسلاميين العاملين، إنني أزعم أن هناك قسطًا كبيرًا من الشريعة التي نتنادى بتطبيقها وإقامة أحكامها، نقوم -نحن الإسلاميين- إلا من رحم الله بتجافيه والإهمال فيه، وهو ذلك القسم الذي يشمل الأحكام والهدايات التي تتضمن تأليف القلوب وتوحيد الصفوف، فوحدة هذه الأمة منهجيًا وقلبيًا متطلب من مطالب الشريعة كبير ومقصد من مقاصد الإصلاح عظيم ولا أدري كيف خلت مناهج أكثر الجماعات الإسلامية -إن لم تكن كلها- من مراعاة تحقيق ذلك المقصد في الواقع العملي؟ صحيح أنه كانت هناك دائمًا مساحة للكلام على الوحدة الإسلامية من الناحية النظرية ولكنها من الناحية العملية كانت توظف في الغالب لصالح الوحدة الحزبية أو الفكرية أو التنظيمية ولن أدلل على ذلك بأكثر من شهادة الواقع على ذلك مما يعرف الجميع تفاصيله".

إن زرع "ثقافة الوفاق" في عقول وقلوب شباب الصحوة واجب شرعي يتحمل مسؤوليته قادة ومسؤولية زعامات التجمعات الإسلامية في كل مكان؛ وهذا يحتم عليهم أن يفتحوا أبوابًا للحوار مع بعضهم البعض والبحث عن نقاط الالتقاء والتأكيد عليها بدلاً من الحديث عن نقاط الاختلاف وإبرازها مما سيؤدي إلى حالة شاملة من التصالح والتفاهم الذي أمر به القرآن الكريم: ﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1]، فالإصلاح بين المؤمنين فريضة لا تقل أهمية عن فريضة الاعتصام بحبل الله وهل هناك أقدر على الإصلاح في الأمة منا نحن الإسلاميين؟ وهل هناك أحوج إلى الإصلاح في الأمة منا نحن الإسلاميين؟ إن الآية أمر إلهي لنا وللأمة جميعًا بأن نبادر إلى رفع أسباب الشقاق وإحلال أسباب الوفاق.

يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: "أي واتقوا الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تشاجروا فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه".

مقالات مشابهة

ثقافة الوفاق

منذ 0 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

طاعة مفقودة

منذ 7 دقيقة

أ. محمد عبدو - باحث شرعي

التفكير فريضة إسلامية

منذ 17 دقيقة

الشيخ يوسف على فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

ثقافة الوفاق

منذ 0 ثانية2822
القناعةُ .. كنز تغتنمه في الدنيا و الآخرة

منذ 5 ثانية2658
الانضباط التنظيمي

منذ 1دقيقة4717
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi