مَضَى هَدْيُ العُلَمَاءِ أَنَّ المَوْعِظَةَ إِذَا كَانَتْ فِي وَقْتِها فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الفِقْهِ الحَسَنِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّنا نَشْتَمُّ فِي هَذِهِ الأَيَّامَ عَبِيرَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، التِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا القِيَامُ وَالاعْتِكَافُ؛ رَجَاءَ إِدْرَاكِ لَيْلَةِ القَدْرِ، وَيَحْسُنُ بِنَا قَبْلَ القِيَامِ أَنْ نَتَعَلَّمَ آدَابَهُ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، إِلَيْكَ بَيَانَ أَهَمِّها:
أَوَّلاً: النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ:
فَلَا عَمَلَ يُقْبَلُ عِنْدَ اللهِ إِلَّا بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ صَالِحَةٍ، وَحُسْنِ اتِّبَاعٍ لِلْنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَعْكَ مِنْ مُرَاءَاةِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ شَيْئاً، قَالَ تَعَالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزُّمَر:11]، وَفِي الحَدِيثِ المَشْهُورِ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى...» [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما].
ثَانِياً: التَّجَمُّلُ وَالاغْتِسَالُ وَالتَّطَيُّبُ:
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ» [أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى]، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ إِذَا كانَ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ اغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ حُلَّةً: إزارٌ أَوْ رِدَاءٌ، فَإِذَا أَصْبَحَ طَوَاهُمَا فَلَمْ يَلْبَسْهُمَا إِلَى مِثْلِها مِنْ قَابِلٍ [ابْنُ رَجَبٍ/ لَطَائِفُ المَعَارِفِ، ص: 189].
ثَالِثاً: اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ:
فَعَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ" أَيْ: يَدْلُكُهُ عَرْضَاً بِالسِّوَاكِ [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما]، وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ أَمَرَ بِالسِّوَاكِ، وَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَسَوَّكَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَامَ الْمَلَكُ خَلْفَهُ، فَتَسَمَّعَ لِقِرَاءَتِهِ فَيَدْنُو مِنْهُ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا صَارَ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ، فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ لِلْقُرْآنِ» [حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ البَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ (2/ 214)].
رَابِعاً: أَنْ يَقْصِدَ المَسْجِدَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، لَا يَقْصِدُهُ إِلَّا لِلْعِبَادَةِ الجَادَّةِ وَالذِّكْرِ وَتَعَلُّمِ العِلْمِ:
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما]، وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا، لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ» [حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِ]، وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" [رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، وَفِيْ رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ" [رَوَاهُ مسلم].
خَامِساً: أَنْ يُطِيلَ القِرَاءَةَ فِي التَّهَجُّدِ:
قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المَزَّمِّل:6]، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟، فَقَالَتْ: "مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا" [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ].
سَادِساً: الإِكْثَارُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ:
فَإِنَّ اللَّيْلَ فِيهِ سَاعَةٌ يُرْجَى فِيهَا قَبُولُ الدُّعَاءِ، فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ].