شريط الأخبار

التَّحْذِيرُ مِنْ فِتْنَةِ التَّكْفِيرِ

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف منذ 0 ثانية 2683

مِنَ المَسائِلِ الخَطِيرةِ التِي تَقْتَضِي الانْتِباهَ وَالحَذَرَ مِنْها: الحُكْمُ عَلى شَخْصٍ أوْ جَماعَةٍ بِالْكُفْرِ، إلَّا إذا حَكَمَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَلا بُدَّ إِذَنْ مِنَ التَّثَبُّتِ وَالْتَّرَيُّثِ قَبْلَ إصْدارِ مِثْلِ هذا الحُكْمِ؛ فَالْتَّكْفِيرُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لا بُدَّ أنْ يَصْدُرَ مِنَ العُلَماءِ المَوْثُوقِينَ وَالمُعْتَبَرِينَ، ولا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الإقْدامُ عَلَيْهِ إلَّا بِبُرْهانٍ واضِحٍ ودَلِيلٍ قاطِعٍ، كَما يَجِبُ عَلَيْهِ الاحْتِياطُ فِي ذلك، وكَمالُ التَّثَبُّتِ وَضَرُورَةُ التَّرَيُّثِ فِيْه إلى أبْعَدِ مَدىً، كَما فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا [النساء:94].

هذا، وَقَدْ تَضافَرَتِ النُّصُوصُ مِنْ كَلامِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكَلامِ العُلَماءِ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الوقوعِ فِي هذا المُنْزَلَقِ الخَطِيرِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا» [رواه مسلم]، أيْ: باءَ بِالْإِثْمِ أَحَدُهُما، فَإنْ كانَ كَلامُهُ صَوابًا فَالكافِرُ آثِمٌ بِكُفْرِهِ، وإنْ كانَ خَطَأً فَالْمُكَفِّرُ آثِمٌ بِتَكْفِيرِ مَنْ لَيْسَ كافِرًا.

وقد أخْرَجَ أبُو يَعْلى المَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ -طَلْحَةَ بْنِ نافِعٍ- قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا وَهُوَ مُجَاوِرٌ بِمَكَّةَ وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي فِهْرٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ: "هَلْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُشْرِكًا؟" قَالَ: "مُعَاذَ اللَّهِ فَفَزِعَ لِذَلِكَ"، قَالَ: "هَلْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَحَدًا مِنْكُمْ كَافِرًا؟" قَالَ: "لَا".

وَيَقُولُ أبُو حامِدٍ الغَزَالِيُّ: "والذِي يَنْبَغِي أنْ يَمِيلَ المُحَصِّلُ إلَيْهِ الاحْتِرازُ مِنَ التَّكْفِيرِ ما وَجَدَ إِلَيْهِ سبيلاً، فَإِنَّ اسْتِباحَةَ الدِّماءِ والأمْوالِ مِنَ المُصَلِّينَ إلى القِبْلَةِ المُصَرِّحِينَ بِقَوْلِ (لا إلَهَ إلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) خَطَأٌ، وَالخَطَأُ فِي تَرْكِ ألْفِ كافِرٍ فِي الحَياةِ أهْوَنُ مِنَ الخَطَأِ فِي سَفْكِ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ"، وَيَقُولُ الإمامُ الطَّحاوِيُّ: "وَلا نُكَفِّرُ أحَدًا مِنْ أهْلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ ما لَمْ يَسْتَحِلَّهُ".

وَعِنْدَما يُقَرِّرُ هَؤُلَاءِ الأعْلامُ وَغَيْرُهُم خُطُورَةَ هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فَلا يَعْنِي تَمْيِيعَها وإغْلاقَ بابِ الرِّدَّةِ بِالْحُكْمِ بِإِيمانِ مَنْ ظَهَرَ كُفْرُهُ بِالْدَّلِيلِ وَالبُرْهانِ، فَهذا لا يَقِلُّ انْحِرافًا وَخَطَرًا عَنْ تَكْفِيرِ مُسْلِمٍ وإخْراجِهِ مِنَ المِلَّةِ، ولذا قالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الوَّهابِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجِبُ عَلى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهَ ألَّا يَتَكَلَّمَ فِي هذه المَسْألةِ إلَّا بِعِلْمٍ مِنَ اللهِ وبُرْهانٍ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ إخْراجِ رَجُلٍ مِنَ الإسْلامِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ واسْتِحْسانِ عَقْلِهِ، فَإنَّ إخْراجَ رَجُلٍ مِنَ الإسْلامِ أوْ إدْخالَهُ مِنْ أعْظَمِ أُمُورِ الدِّينِ، وقَد اسْتَزَلَّ الشَّيْطانُ أكْثَرَ النَّاسِ فِي هذه المَسْألةِ، فَقَصَّرَ بِطائِفَةٍ فَحَكَمُوا بِإسْلامِ مَنْ دَلَّتْ نُصُوصُ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجْماعِ عَلى كُفْرِهِ، وتَعَدَّى بِآخَرِينَ فَكَفَّرُوا مَنْ حَكَمَ الكِتابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ الإجْماعِ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ".

وَالذِي يَنْبَغِي أنْ نُؤَصِّلَهُ هُنا: أنَّ الحُكْمَ بِالْكُفْرِ عَلى إنْسانٍ ما حُكْمٌ جِدُّ خَطِيرٍ؛ لِما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ آثارٍ، وهِيَ غايةٌ فِي الخَطَرِ، مِنْها:

1. أنَّهُ لا يَحِلُّ لِزَوْجَتِهِ البَقَاءُ مَعَهُ، ويَجِبُ أنْ يُفرَّقَ بَيْنَهُما؛ لِأَنَّ المُسْلِمَةَ لا يَصِحُّ أنْ تَكُونَ زَوْجةً لِكافِرٍ بِالْإِجْماعِ المُتَيَقَّنِ.

2. أنَّ أوْلادَهُ لا يَجُوزُ أنْ يَبْقَوْا تَحْتَ سُلْطانِهِ؛ لِأَنَّهُ لا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِم، ويُخْشَى أنْ يُؤْثِرَ عَلَيْهِم بِكُفْرِهِ، وبِخَاصَّةٍ أنَّ عُوْدَهُم طَرِيٌّ، وهُمْ أمانةٌ فِي عُنُقِ المُجْتَمَعِ الإسْلامِيِّ كُلِّهِ.

3. أنَّهُ فَقَدَ حَقَّ الوِلايةَ والنَّصرةِ عَلى المُجْتَمَعِ الإسْلامِيِّ بَعْدَ أنْ مَرَقَ مِنْهُ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ الصَّرِيحِ والرِّدَّةِ البواحِ، وَلِهذا يَجِبُ أنْ يُقاطَعَ وَيُفْرَضَ عَلَيْهِ حِصارٌ أدَبِيٌّ مِنَ المُجْتَمَعِ حَتَّى يَفِيقَ لِنَفْسِهِ، وَيَثُوبَ لِرُشْدِهِ.

4. أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُحاكَمَ أمامَ القَضاءِ الإسْلامِيِّ، لِيُنَفِّذَ فِيْه حُكْمَ المُرْتَدِّ، بَعْدَ أنْ يَسْتَتِيبَهُ وَيُزِيلَ مِنْ ذِهْنِهِ الشُّبُهاتِ وَيُقِيمَ عَلَيْهِ الحُجَّةَ.

5. أنَّهُ إذا ماتَ لا تَجْرِي عَلَيْهِ أحْكامُ المُسْلِمِينَ، فَلا يُغَسَّلُ ولا يُصَلَّى عَلَيْهِ، ولا يُدْفَنُ فِي مَقابِرِ المُسْلِمِينَ، ولا يُوَرَّثُ، كَما أنَّهُ لا يَرِثُ إذا ماتَ مُوَرِّثٌ لَهُ.

6. أنَّهُ إذا ماتَ عَلى حالِهِ مِنَ الكُفْرِ فإنَّه يَسْتَوْجِبُ لَعْنَةَ اللهِ وَطَرْدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَالخُلُودَ الأَبَدِيَّ فِي جَهَنَّمَ.

مقالات مشابهة

التَّحْذِيرُ مِنْ فِتْنَةِ التَّكْفِيرِ

منذ 0 ثانية

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

"وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِّسَانِي"

منذ 2 دقيقة

أ. نصر فحجان - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

مِنْحَةٌ وَسْطَ المِحْنَةِ

منذ 5 دقيقة

د. شادي حمزة طبازة - خطيب بوزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

التَّحْذِيرُ مِنْ فِتْنَةِ التَّكْفِيرِ

منذ 0 ثانية2683
مشروع تثبيت حفظ القرآن الكريم لدى طلاب مراكز التحفيظ في المساجد

منذ 17 ثانية5683
النظرة سهم من سهام إبليس فاحذر على قلبك منها

منذ 1دقيقة7086
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi