شريط الأخبار

ما مَوْقِفُ الإِسْلامِ مِنَ الحَرْبِ؟

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف منذ 0 ثانية 2598

تُعَدُّ الحَرْبُ مُؤَسَّسَةً مِنْ أَعْظَمِ المُؤَسَّساتِ وَأَشْرَسِها وَأَبْشَعِها فِي التَّارِيخِ الإنْسانِيِّ، وَلَنْ نَرْتَقِيَ وَنُصْبِحَ بَشَرًا حَقِيقِيِّينَ إلَّا إذا جاءَ يَوْمٌ وَأَنْهَيْنا فِيهِ هَذِهِ المُؤَسَّسَةَ، فَطالَما أنَّها قائِمَةٌ فَنَحْنُ لَسْنا بَشَرًا حَقِيقِيِّينَ، بَلْ سَنَكُونُ أقْرَبَ إلى المُفْتَرِساتِ وإلى المُتَوَحِّشاتِ مِنَّا إلى الإنْسانِ.

وإنَّ الإسْلامَ ابْتُلِيَ بِالْحَرْبِ كَما ابْتُلِيَ بِالْرِّقِّ، فَهَذِهِ مُؤَسَّساتٌ كَانَتْ قائِمَةً قَبْلَ الإسْلامِ، مِنْ هُنا كانَ مَوْقِفُ الإسْلامِ مِنْها مَوْقِفًا اضْطِرارِيًّا، فَكانَ لا بُدَّ أنْ يَتَعاطى مَعَها، إلَّا أنَّهُ هَذَّبَها وطَهَّرها، وَمِنْ ذَلِكَ أنَّهُ حَرَّمَ الحَرْبَ الشَّامِلَةَ، وَشَرَعَ تَشْرِيعاتٍ فِي الحَرْبِ، بَعْضُها إلى اليَوْمِ لَمْ تَصِلِ البَشَرِيَّةُ إلى مِثْلِها.

إنَّ الإسْلامَ لُغَوِيًّا مُشْتَقٌّ مِنْ نَفْسِ مادَّةِ السَّلامِ؛ لِذا فَهُوَ لا يَتَشَوَّفُ لِشَيْءٍ قَدْرَ تَشَوُّفِهِ لِلْسَّلامِ، وبُغْضِهِ وَكَراهِيَتِهِ لِلْحَرْبِ، فَالمُسْلِمُ لا يَتَمَنَّى الحَرْبَ وَلا يَحْرِصُ عَلَيْها لِذاتِها، بَلْ يَتَمَنَّى السَّلامَ وَالعافِيَةَ، قالَ تَعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة:216]، وقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَدِيثِ الذِي رَواهُ الإمامُ البُخَارِيُّ: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» [رواه البخاري].

وَمِنْ دَلائِلِ كَراهِيَةِ الإسْلامِ لِلْحَرْبِ أنَّهُ يَكْرَهُ لَفْظةَ (حَرْب)، وَيَراها مِنْ أقْبَحِ الأسْماءِ مَعَ العِلْمِ أنَّها كانَتْ مِنَ الأسْماءِ المُحَبَّبَةِ لِلْعَرَبِ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَفِي الحَدِيثِ الذِي رَواهُ أبُو داوُودَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ- وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» [رواه أبو داود].

وَرَوَى الإمامُ مالِكٌ فِي (المُوَطَّأِ) عَنْ يحْيَى بْنُ سَعِيدٍ –مُرْسَلاً- أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلَقْحَةٍ – ناقَةٍ ذاتِ لَبَنٍ- عِنْدَهُ: «مَنْ يَحْلِبُ هَذِهِ النَّاقَةَ؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ لَهُ: مُرَّةُ، قَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلِبُ هَذِهِ النَّاقَةَ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَرْبٌ، قَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلِبُ هَذِهِ النَّاقَةَ؟ فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: يَعِيشُ، قَالَ: احْلِبْ» [رواه مالك].

وَفِي الحَدِيثِ الذِي رَواهُ أحْمَدُ فِي المُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ جَاءَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟»، قُلْتُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، قَالَ: «بَلْ هُوَ حَسَنٌ»، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ، قَالَ: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟»، قُلْتُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، قَالَ: «بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ»، فَلَمَّا وَلَدْتُ الثَّالِثَ جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟»، قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: «بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ» [رواه مالك].

لِهَذا كُلِّهِ؛ فَإِنَّ الإسْلامَ عِنْدَما يَخُوضُ الحَرْبَ فَإِنَّما يَخُوضُها مُضْطَرّاً وَفِي سِياقِ مُسَوِّغاتٍ مَشْرُوعَةٍ، كَرَدِّ العُدْوانِ، مِثْلَ جِهادِ أهْلِ فِلَسْطِينَ لِلْصَّهايِنَةِ المُحْتَلِّينَ، وَكَذَلِكَ لِتَأْمِينِ حُرِّيَّةِ الدَّعْوَةِ، حَيْثُ إنَّ مِنْ حَقِّ المُسْلِمِ أنْ يَنْشُرَ دَعْوَتَهُ دُونَ عَوائِقَ، وكَذَلِكَ لِلْدِّفاعِ عَن المُسْتَضْعَفِينَ وَالمَظْلُومِينَ حَتَّى لَوْ كانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ، وَهَذا يُجَسِّدُ البُعْدَ الإنْسانِيَّ فِي الإسْلامِ.

مقالات مشابهة

ما مَوْقِفُ الإِسْلامِ مِنَ الحَرْبِ؟

منذ 0 ثانية

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الفَجْرُ فَجْرَانِ... وَصَلَاتُنَا صَحِيحَةٌ

منذ 2 دقيقة

د. محمد كمال سالم - خَطِيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ.. وَدُرُوسُ الوَلَاءِ وَالانْتِمَاءِ

منذ 3 دقيقة

أحمد علي أبو العمرين - خطيب بِوَزارةِ الأَوْقَافِ

حُكْمُ إِطْلَاقِ النَّارِ فِي الهَوَاءِ

منذ 3 دقيقة

د. محمد سليمان الفرا - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

ما مَوْقِفُ الإِسْلامِ مِنَ الحَرْبِ؟

منذ 0 ثانية2598
الأسبوع الدعوي: "الحج .. ورحلة القلوب إلى الله"

منذ 5 ثانية3633
الوسطية والاعتدال

منذ 1دقيقة4563
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi