شريط الأخبار

التَّبَرُّجُ .. صِفَتُهُ وأسْبابُهُ وعِلاجُهُ

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 4856

التَّبَرُّجُ هُوَ: خُرُوْجُ المَرْأَةِ عَن الحِشْمةِ، وإظْهارُ مَفاتِنِها، وإبْرازُ مَحاسِنِها، أَيْ كُلُّ ما تَفْعَلُهُ المَرْأَةُ لِتَفْتِنَ الرِّجالَ الأجانِبَ بِها: كَإبْداءِ زِيْنَتِها، وكَشْفِ جَمالِها، وإبْرازِ مَفاتِنِ جَسَدِها، ومَحاسِنِ مَلابِسِها وحُلِيِّها، وحَلاوةِ كَلامِها، وحُسْنِ صَوْتِها، وتَـبَخْتُرِها وتَمايُلِها فِي مِشْيَتِها، كَما يَكونُ التَّبَرُّجُ فِي اللِّباسِ والزِّيْنَةِ، لِيَقَعَ الجَمِيْعُ فِيْما حَرَّمَ اللهُ.

فَهذا وأَمْثالُهُ مِنَ التَّبَرُّجِ الذِي نَهَى اللهُ عَنْهُ، حَيْثُ أَمَرَ بِتَحَجُّبِ النِّساءِ وحَذَّرَهُنَّ مِنَ التَّبَرُّجِ والخُضُوْعِ بِالقَوْلِ لِلْرِّجالِ؛ صِيانَةً لَهُنَّ عَن الفَسادِ، وتَحْذِيْرَاً مِنْ أسْبابِ الفِتْنَةِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب:33]، وشَرَعَ الإسْلامُ لِلْمَرْأَةِ التَّجَمُّلَ لِزَوْجِها والتَّزَيُّنَ لَهُ بِكُلِّ ما أباحَهُ مِنْ طِيْبٍ، ولِباسٍ، وحُلِيٍّ ونَحْوِ ذلك، ورَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي مَجالِ الزِّيْنَةِ أكْثَرَ مِمَّا رَخَّصَ لِلْرَّجُلِ؛ تَلْبِيَةً لِفِطْرَتِها وَأُنُوْثَتِها، وحِرْصاً عَلى دَوامِ المَحَبَّةِ وحُسْنِ العِشْرةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وحَرَّمَ الإسْلامُ كُلَّ زِيْنَةٍ لِغَيْرِ الزَّوْجِ، وحَرَّمَ السُّفُوْرَ والتَّعَرِّيَ والاخْتِلاطَ بِالْرِّجالِ الأجانِبِ؛ لِمَا فِيْهِ مِنَ الفِتْنَةِ.

وبِالْنِّسْبَةِ لِحُكْمِ صَوْتِ المَرْأَةِ: فقَدْ قَاْلَ تَعالى: ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب:32]، فَصَوْتُ المَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، لَكِنَّهُ فِتْنَةٌ، وَلِهَذا أُمِرَت النِّساءُ بِالْتَّصْفِيْقِ عِنْدَ السَّهْوِ فِي الصَّلاةِ؛ لِأنَّ فِي صَوْتِها فِتْنَةً، فَتُخاطِبُ الرِّجالَ بِقَدْرِ الحاجَةِ بِكَلامٍ مُخْتَصَرٍ جَزْلٍ "قَوْلًا مَعْرُوفًا" لا خُضُوْعَ فِيْهِ ولا هَزْلَ، لِئَلَّا تَحْصُلَ بِسَبَبِهِ فِتْنَةُ الرِّجالِ الأجانِبِ، وَيَفْعَلُ الرِّجالُ كَذلِكَ عِنْدَ مُخاطَبَةِ النِّساء، فَفِي هَذهِ الآيةِ نَهَى سُبْحانَهُ نِساءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهُنَّ مِنْ خَيْرِ النِّساءِ وأطْهَرِهنَّ عَن الخُضُوْعِ بِالْقَوْلِ لِلْرِّجالِ، وهُوَ تَلْيِيْنُ القَوْلِ وتَرْقِيْقُهُ، ونَهاهُنَّ عَنْ تَبَرُّجِ الجاهِلِيّةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الفَسادِ العَظِيْمِ والفِتْنَةِ، وإذا كانَ اللهُ يُحَذِّرُ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ هَذهِ الأشْياءِ المُنْكَرَةِ مَعَ صَلاحِهِنَّ وإيمانِهِنَّ، فَغَيْرُهُنَّ أوْلى بِالْتَّحْذِيْرِ والإنْكارِ والخَوْفِ عَلَيْهِنَّ مِنْ أسْبابِ الفِتْنَةِ؛ لِئَلّا يَطْمَعَ فِيْهِنَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضُ الشَّهْوَةِ وَيَظُنَّ أنَّهُنَّ يُوافِقْنَهُ عَلى ذَلِكَ.

والتَّبَرُّجُ مُحَرَّمٌ؛ لِمَا فِيْهِ مِنْ عَظيمِ الفِتْنَةِ، فَأعَزُّ ما تَمْلِكُهُ المَرْأَةُ الشَّرَفُ والحَياءُ والعَفافُ، والمُحافَظَةُ عَلى هذهِ الصِّفاتِ مُحافَظَةٌ عَلى إنْسانِيّةِ المَرْأَةِ فِي أَسْمَى صُوَرِها، وخُرُوْجُ المَرْأَةِ عَن الاحْتِشامِ إلَى التَّبَرُّجِ والتَّبَذُّلِ مُثِيْرٌ لِلْغَرِيْزَةِ الجِنْسِيّةِ، ومُطْلِقٌ لَها مِنْ عَنانِها، ويُسَهِّلُ الوُقُوْعَ فِيْما حَرَّمُ اللهُ؛ مِنْ أَجْلِ هَذا عَنِيَ الإسْلامُ عِنايةً خاصَّةً بِمَلابِسِ المَرْأَةِ وزِيْنَتِها، وأَمَرَها بِغَضِّ البَصَرِ، وعَدَمِ إبْداءِ الزِّيْنَةِ ولَوْ كانَتْ عَجُوزاً أوْ صَغِيْرةً أوِ امْرَأَةً صالِحَةً، قال تَعالى: ﴿يأيها النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب:59].

وقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ مَنْ تَبَرَّجَتْ أنْ تُعاقَبَ فِي الآخِرَةِ بِالنَّارِ إذا لَمْ تَتُبْ تَوْبَةً نَصُوْحَاً، فَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَّةَ عُقُوْباتٍ لِلْمُتَبَرِّجاتِ، فَذَكَرَ أنَّهُنَّ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَذاباً يَوْمَ القِيامَةِ، وأَنَّهُنَّ مَلْعُوْناتٌ، فقال: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا»، وقال: «فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» [رواه مسلم].  

ويَكونُ عِلاجُ التَّبَرُّجِ بِتَقْوِيَةِ الإيمانِ بِاللهِ فِي النُّفُوْسِ، والإشادَةِ بِالْفَضِيْلَةِ والحِشْمَةِ والتَّسَتُّرِ، وشَغْلِ الأوْقاتِ بِطَلَبِ العِلْمِ الدِّيْنِيِّ، وتَذْكِيْرِ النَّفْسِ والنَّاسِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ، وصِفَةِ نَعِيْمِ الجَنَّةِ، وعَذابِ النَّارِ، ومَعْرِفَةِ سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ، وعَظَمَةِ قُدْرَتِهِ وبَطْشِهِ بِمَنْ عَصاهُ، إلى جانِبِ حِمايَةِ الأخْلاقِ والآدابِ: بِمَنْعِ النَّظَرِ لِلْصُّوَرِ الرَّخِيْصَةِ والأفْلامِ التِي تُثِيْرُ الغَرائِزَ، والتَّمَسُّكِ بِارْتِداءِ اللِّباسِ الشَّرْعِيِّ، وتَحْقِيْرِ مَلابِسِ العُرِيِّ أوْ المَلابِسِ الضَّيِّقَةِ، ومَظاهِرِ الفِسْقِ، ومِكْياجاتِ التَّبَرُّجِ خارِجَ البَيْتِ، فَتَبْدَأُ المَرْأَةُ بِنَفْسِها، ثُمَّ تَدْعُو غَيْرَها، وبِمُرُوْرِ الزَّمَنِ يُصْلِحُ اللهُ الأحْوالَ.

مقالات مشابهة

التَّبَرُّجُ .. صِفَتُهُ وأسْبابُهُ وعِلاجُهُ

منذ 0 ثانية

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوَزارة الأوقاف

لِحْيَةٌ عُصْمُومَةٌ وَدِمَاءٌ مُهْدَرةٌ!

منذ 6 دقيقة

د. محمد سليمان الفرا - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

تَحْدِيدُ مَفْهُومِ الغُلُوِّ ضَرُورَةٌ لِمُعالَجَةِ الغُلُوِّ

منذ 10 دقيقة

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

حوار خاص مع د. خالد أبو شادي - داعية إسلامي

منذ 15 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية - فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

التَّبَرُّجُ .. صِفَتُهُ وأسْبابُهُ وعِلاجُهُ

منذ 0 ثانية4856
مسجد المجمع الإسلامي - دوار بني سهيلا

منذ 37 ثانية4685
نسيان التشهد الأوسط في حق الإمام والمأموم المنفرد

منذ 59 ثانية22484
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi