شريط الأخبار

ضوابط تجديد الفكر الإسلامي

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي منذ 0 ثانية 3024

إذا كان الفكر الإسلامي يقبل التجديد من حيث الجملة، إلا أن هذا القبول ليس مطلقاً، فمنه ما يقبل التجديد ومنه ما لا يقبله، والقسم الذي يقبل التجديد له شروط وضوابط وبيان ذلك فيما يلي:

أولاً: دائرة التجديد فى الفكر الإسلامي:

إن تحديد ما يقبل التجديد في الفكر الإسلامي في دائرة محددة أمر في غاية الأهمية، حفاظاً على ديننا من عبث العابثين، والمتربصين به الساعين إلى نقض عراه بمعاول فكرهم، والجاهلين الذين يفسدون ويحسبون أنهم مصلحون.

إن أول خطوة في تحديد دائرة ما يقبل التجديد في الفكر الإسلامي هو: "بيان المقصود بالفكر الإسلامي"، وقد سبق أن أوضحنا أنه ليس كل ما جاء به الإسلام من تصورات وأحكام يعتبر فكراً، لأن الفكر هو: "عمل عقلي محض يختص بالإنسان، وهذه التصورات والأحكام لا دخل للإنسان فيها، وإنما جاءت من الله العليم الحكيم، وواجب المسلم تجاهها التسليم والإذعان"، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:36]، وبناء على ذلك فلا يعتبر من الفكر الأمور التالية:

1. ما أخبرنا الله تعالى به أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأمور الغيبية بنصوص صحيحة صريحة لا تحتمل التأول ولا مجال للاجتهاد فيها، كالإخبارات المتعلقة بذاته العلية، وأصل خلق الإنسان والجن والملائكة والبعث والحساب والجزاء ووجود الجنة والنار وصفتهما، ومن الأمور الغيبية الأمور المشاهدة التي غابت عنا بسبب تقدمها في الزمن كالإخبارات عن الأنبياء والرسل وقصصهم مع أقوامهم.

2. ما أخبرنا الله تعالى به أو رسوله -صلى الله عليه- وسلم من أحكام شرعية بنصوص صحيحة صريحة لا تحتمل التأويل ولا مجال للاجتهاد فيها، كالأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات وأصول المعاملات والنكاح والطلاق وقسمة التركات.

فالمقصود إذن بالفكر الإسلامي هو: الآراء والاجتهادية التي قدمها علماء الإسلام في مختلف العلوم منذ عصر الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- إلى يومنا هذا.

ثانياً: ضوابط التجديد فى الفكر الإسلامي:

إن أشد ما نحتاج إليه اليوم هو وضع ضوابط للتجديد في الفكر الإسلامي؛ ذلك أن الآراء والأفكار ترد على الأمة الإسلامية من جميع الحضارات وخاصة الحضارة الغربية الحديثة التي هي محل إعجاب الغالبية العظمى من المسلمين، وقد سهل سرعة وصول أفكار الحضارات الأخرى وانتشارها في المجتمعات الإسلامية ثورة الاتصالات والمعلومات التي يعيشها العالم الحديث من خلال القنوات الفضائية والإنترنت وطرق الاتصال اللاسلكي.

وهذه الأفكار الواردة تختلف عن الفكر الإسلامي من حيث منطلقاتها وأهدافها، فهي تنطلق من مبدأ علماني يعزل الدين عن الحياة، وتهدف إلى توفير الرفاهية والحرية المطلقة للفرد، فكان لابد من وضع ضوابط تغربل هذه الأفكار التي يتبناها بعض المسلمين لتجديد فكرنا الإسلامي، وأيضا فإن هذه الضوابط تميز لنا ما يقدمه لنا مفكرونا من آراء تجديدية من خالص فكرهم، فنعرف من خلالها ما يتفق ومبادئ شريعتنا وما يخالفها، إذ أن العقل لا حدود له فهو يتصور المستحيلات ويجمع بين المتناقضات.

إن هذه الضوابط هي التي تحفظ فكرنا التجديدي من الفوضى الفكرية التي قد تكون سبباً لنشوء النزاعات وهدم المجتمعات، ولعل أهم ضوابط التجديد في الفكر الإسلامي ما يلي:

1. إن التجديد لا يطال بحال أصول الشريعة، بل يقتصر على فقه الشريعة وآليات فهمها، ولهذا فإن التجديد ليس تجديداً للدين وخروجاً عنه أو تجاوزاً له، بل هو مجرّد الاستجابة الطبيعية لحاجات التديّن في عصر متجدّد وظروف حادثة، كما نص على ذلك المفكر الإسلامي السوداني حسن الترابي.

2. إذا بحثنا عن الضابط الأصولي المباشر لمسألة التجديد والاجتهاد فإنّا نجده في القاعدة الأصولية التي لا تختلف حولها جميع المذاهب الإسلامية، وهي "لا اجتهاد في مورد النصّ" أو بتعبير معاصر ينتفي الاجتهاد عند وجود النص الشرعي من القران والحديث وملحقاتهما، وهذه القاعدة تقودنا إلى تقسيم منهجي للمسائل جميعها من وجهة نظر الإسلام إلى قسمين قد لا يكون ثالث لهما:

أ] المسائل الظنية: التي يكون مدركها ظني الورود أو الدلالة، وهذه المسائل هي الغالبية الساحقة من المسائل الشرعية، ويجوز فيها الخلاف ويقع فيها الاجتهاد بإجماع المسلمين، ومن ضمنها تقع تسعة أعشار المسائل السياسية الشرعية والاجتماعيات التي لا نص فيها، ومثالها: طرق تنظيم البيعة أو الشورى، أو مدّة ولاية الحاكم المسلم وطرق واليات انتخاب أو تعيين أو عزل أعضاء مجالس الشورى وأهل الاختصاص ونحو ذلك كثير.

 ب] المسائل القطعية: وهي معدودة في الشريعة، يكفر أو يخرج عن الملة منكرها وروداً أو دلالة، وهي تشمل قطعيات العقائد الإسلامية (غير المختلف فيها)، كما تشمل أصول الأخلاق والعبادات وأصول المعاملات والفرائض والحدود المنصوص عليها، فضلاً عن أصول الفقه الكلية (المستنبطة من عشرات الأدلة الشرعية) ومثلها مقاصد التشريع الكلية.

وهذه القطعيات هي بمثابة صمام الأمان الذي يعصم الأمة من الزيغ والهلاك، وهي الثوابت التي تدور حولها بقية المتغيّرات والظنيات، وبالطبع لا مجال للحديث عن الاجتهاد أو التجديد في القطعيات، اللهم في المقدار المخصّص شرعاً لفهمها لغة وعقلاً وهذا الأمر هو اعتباري تجوّزي محض.

3. ألا يؤدى الفكر التجديدي إلى التصادم مع النصوص الشرعية أو الإخلال بها، لأن الأصل هو التمسك بالنصوص الشرعية، لقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [التغابن:12]، وغير ذلك من الآيات والأحاديث الداعية إلى طاعة الله تعالى ورسوله، فأي فكر يتعارض مع النصوص الشرعية القطعية لا اعتبار له، كالفكر الذى يبيح الربا ويرفض الحجاب الشرعي للمرأة وإقامة الحدود الشرعية.

4. ألا يكون الفكر التجديدي فكراً صرح العلماء برده وعدم اعتباره، فلا اعتبار لفكر تجديدي يتبنى آراء المعتزلة مثلا: فيقول إن العقل هو الذي يحسن ويقبح ويوجب ويحرم حيث رد علماء أهل السنة هذا الرأي واعتبروا أن الذي يحسن ويقبح ويوجب ويحرم هو الشرع لا العقل.

5. أن يراعى الفكر التجديدي القواعد العامة في الإفتاء:

أ] فلا يجوز أن يتتبع الفكر التجديدي رخص المذاهب وزلل العلماء، قال الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام"، ونقصد برخص المذاهب: هو الأخذ بالأهون والأسهل من كل مذهب وإن كان دليله ضعيفاً.

ب] ألا يكون الفكر التجديدي ملفقاً بين المذاهب، والمراد بالتلفيق بين المذاهب أخذ صحة الفعل من مذهبين معاً بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده في المسألة الواحدة، كالنكاح بلا ولى ولا شهود، فإن النكاح بلا ولي صحيح عند الحنفية، والنكاح بلا شهود صحيح عند المالكية، فإن صحة النكاح حينئذ ملفقة من المذهبين معا لكنه باطل عند كل مذهب على حدة.

ج] ألا يكون الفكر التجديدي مستمداً من الآراء الشاذة في المذاهب والمقصود بالشاذ هنا ما كان مقابل المشهور أو الراجح أو الصحيح في المذهب، لأن العلماء متفقون على عدم جواز الإفتاء بالشاذ إلا أن يكون المفتي (المجدد) مجتهداً في المذهب فيعمل حينئذ بما يراه أرجح أو أصح في نظره لقوة دليله ولو كان هذا الرأي شاذا.

مقالات مشابهة

ضوابط تجديد الفكر الإسلامي

منذ 0 ثانية

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

أثر الذنوب على القلوب

منذ 11 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ

منذ 15 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

فوائد محاسبة النفس

منذ 23 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

ضوابط تجديد الفكر الإسلامي

منذ 1ثانية3024
حَقُّنا الشَّرْعِيُّ فِي فِلَسْطِيْنَ

منذ 32 ثانية2587
مسجد الكبير - خانيونس

منذ 1دقيقة4486
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi