شريط الأخبار

التجديد في الفكر الإسلامي .. المفهوم والحاجة إليه

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي منذ 0 ثانية 3348

(تجديد الفكر الإسلامي) عنوان لدعوات انطلقت في العقود الأخيرة، وكتب عنه كثير من المفكرين المسلمين، وعقد حوله المؤتمرات العلمية، وقد لاقت هذه الدعوة تأييداً من البعض ومعارضة من البعض الآخر، والحقيقة إن الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي دعوة جديرة بالاهتمام، وذلك إذا وضعت في إطارها الصحيح والتزمت بالضوابط الشرعية.

فلا يوجد هناك مانع شرعي ولا عقلي يمنع من تجديد الفكر الإسلامي، ولاسيما أنه من نتاج اجتهادات البشر، ولمَّا كان من الخصائص التي يتميز بها الفكر الإسلامي والتي لا توجد في غيره: "التوازن بين الثبات والتطور"، أو "الثبات والمرونة"؛ حيث إن الثبات يدل على الخلود والمرونة تدل على التطور، كما يتجلى الثبات في المصادر الأصلية القطعية للتشريع المتمثلة بالكتاب والسنة وتتجلى المرونة في "المصادر الاجتهادية" التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها ما بين موسع ومضيق مثل: "الإجماع والقياس والامتحان والمصالح المرسلة وأقوال الصحابة وشرع من قبلنا"، هذا كله يجعل الفكر الإسلامي قابلاً للتجديد [القاموس المحيط 1/ 281، ولسان العرب 3/ 111].

تعريف التجديد:

يطلق التجديد في اللغة على وجود شيء معروف عند الناس ولكنه بحكم ما مر به من زمن أصابه البلى والقدم، لذلك احتاج إلى إعادة بناء وترميم، وهكذا فالجديد ضد القديم البالي، يقال جد يجد فهو جديد، وتجدَّد الشيء: صار جديدا، وأجدّه وجدّده واستجده: صيره جديداً.

والتجديد في الاصطلاح الحديث: نزعة تأخذ بأساليب جديدة في نواحي الحياة الفكرية والعملية [المصطلحات العلمية والفنية للمجامع والجامعات العربية لنديم مرعشلى وأسامة مرعشلى ص 136 مطبوع مع الصحاح للجوهري].

وممكن أن يعرَّف بأنه: الإحياء والبعث والإعادة والتغيير

وقد جاء هذا المعنى في كلام النبي -صلى اله عليه وسلم-: »إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها« [أخرجه أبو داود]، فهذا الحديث جعل التجديد سنة من سنن الله وقانوناً من قوانين الفكر الإسلامي.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي: إن المقصود بالتجديد هنا لا يقع على الثابت من الدين وهو المنهج الإلهي من عقائد وعبادات وشرائع وأخلاق ولكنه يقع على الحالة الثانية وهي ما يكون عليه الإنسان في علاقته بالمعنى الأول من الفكر والشعور والعمل والخلق، ومن هنا يقال: ضعيف الدين أو قويه، حسن الإسلام أو رديئة ولذلك أضاف -الرسول صلى الله عليه وسلم- الدين للأمة ولم يضفه إلى الله تعالى [انظر: تجديد الدين في ضوء السنة، مجلة مركز بحوث السيرة والسنة، جامعة قطر، العدد الثاني 1987م].

فالتجديد على ذلك يكون مطلباً شرعياً بكل ما تجمله كلمة التجديد من معنى التغيير والتطوير وخلق الشخصية المسلمة القادرة على إطلاق طاقات الأمة في كل ميادين الحياة عن طريق الفكر والعقيدة والسلوك.

ضرورة التجديد:

إن الدعوة إلى التجديد ضرورة تدعو إليها جملة من الأمور منها:

1- إن التجديد والابتكار هما ركنا التطور، إذ التطور لا يأتي من فراغ وإنما هو نتيجة لدراسة الآراء والأفكار وأخذ الصالح المفيد منها مع إضافة رؤى أخرى عليها فيتولد من ذلك فكر نير تسترشد به الأمة في مسيرتها.

2- إن التجديد كما هو مطلب اجتماعي هو كذلك مطلب عقلي، إذ ليس من العدل والإنصاف أن نطلب من أحد أن يأخذ بفكر من سبقه من غير مناقشة أو إبداء رأى خاصة إذا كان أهلا لذلك، وما ذلك إلا تعطيل لوظيفة العقل، ومازال علماؤنا يناقشون آراء من تقدمهم فتارة يؤيدونها وتارة يردونها وتارة ثالثة يضيفون إليها، ولم يعب أحد عليهم هذا الصنيع وكل ذلك يتم بحثاً عن الحق والحقيقة.

3- إن الإنسان منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا يعيش في تطور مستمر في جميع أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وهذا أمر محسوس ملموس لا يحتاج إلى دليل لإثباته، إن هذا التطور في الحياة يجب أن يواكبه فكر متجدد ينبع عن رؤية لقضايا الإنسان واهتمامه، إن الإنسان مهما بلغ مقدار التطور في حياته فإنه يحتاج إلى جنب ذلك التطور فكرا يُشبع عقله وروحه، وكلما كان الفكر متجدداً متوافقا مع النهضة التي يعيشها المجتمع كلما كان الإشباع أكمل مما يعكس أثراً إيجابياً على حيوية المجتمع ونشاطه، والفكر الإسلامي يواكب تطور الحياة فمن القواعد الفقهية المقررة أن الأحكام الشرعية التي وضعها المجتهد بناء على ما كان في عرفه وزمانه فإنها تتغير بتغير الزمن والعرف.

4- إن الإنسان كائن حي له حاجات متعددة، وهذه الحاجات تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، ومهمة الفكر الأساسية هي تلبية حاجة الإنسان، وهى مقياس نجاحه، فكلما كان الفكر ملبياً لحاجة الإنسان المشروعة كلما كان فكراً ناجحاً، والعكس بالعكس، ويمثل فقه الضرورة في الفكر الإسلامي تطبيقاً عمليا لتلبية ضرورات الإنسان وحاجاته.

5- ما من مجتمع على وجه الأرض إلا وله مشكلاته المختلفة، والفكر النافع هو الفكر الذي يقدم حلولاً لمشكلات مجتمعه، ولا شك أن المشكلات تتجدد بتطور المجتمع، فتظهر مشكلات لم تكن موجودة من قبل فيستلزم ذلك فكراً جديداً أو متجدداً لحل هذه المشكلات كما أن حاجتنا إلى التجديد تظهر جلية في إيجاد البدائل للأفكار التي يطرحها الفكر الغربي والتي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وقد خطا الفكر الإسلامي في مجال الاقتصاد خطوات عديدة إذ قدم بديلاً للبنوك الربوية يقوم على أساس إسلامي، وقد طبق في كثير من البلاد الإسلامية وأثبت نجاحه وفاعليته [انظر بحث: ضرورة التجديد وضوابطه في الفكر الإسلامي، الدكتور: خالد عبد الله الشعيب].

6- إن رفض الجمود والتقليد إنما يضع العقل المسلم أمام خيار وحيد، هو الخيار التجديدي، وهذا التجديد الذي يجمع بين سلفية العودة للمنابع والأصول الإسلامية، وبين عصرية فقه الواقع المعيش واستشراف المستقبل، هو -في النسق الفكري الإسلامي- أكثر من مجرد (خيار) لأنه ضرورة إسلامية اقتضاها ويقتضيها كون الشريعة الإسلامية هي الشريعة العالمية، والخاتمة، إذ بدون التجديد الذي يحافظ على الثوابت كي لا تحدث قطيعة معرفية مع الأصول والمقاصد تُفقدُ الجديد إسلاميته، والذي يُجدد في الفروع وفقه الواقع كي تمتد فروع الشريعة فتظل كل الفضاءات التي يصل إليها الإسلام، وكي تقدم هذه الشريعة الحلول للقرون والأجيال التي تلت وتتلو عصر الوحي والتنزيل، فبدون هذا التجديد لا تتمكن الشريعة الإسلامية من أن تكون عالمية حقاً ولا خاتمة حقاً، أي أن التجديد هو السبيل لتحقيق إرادة الله أن تكون شريعة محمد هي العالمية وأن تظل حجة الله على عباده قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [من مقال: المدرسة الفكرية مدرسة الإحياء والتجديد، محمد عمارة، مجلة المسلم المعاصر، العدد (100)].

مقالات مشابهة

التجديد في الفكر الإسلامي .. المفهوم والحاجة إليه

منذ 0 ثانية

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

الفهمَ الفهمَ يا شباب الصحوة

منذ 17 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ

منذ 20 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

التعاون الدعوي

منذ 20 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

التجديد في الفكر الإسلامي .. المفهوم والحاجة إليه

منذ 0 ثانية3348
اسْتِعْلاءُ الإِيمَانِ .. لا يُطاوِلُهُ الطُّغْيانُ

منذ 1دقيقة3176
لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ!

منذ 1دقيقة2830
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi