شريط الأخبار

المسجد دوره ومكانته في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة

أ. مبارك عبد الله – داعية اسلامي منذ 0 ثانية 3108

حفلت السيرة النبوية والأحاديث الشريفة بالحديث عن المسجد، فَعُرف دوره داراً للعبادة والقيادة، ومكاناً للقضاء بين الناس، ومركزاً لانطلاق الجيوش، ومدرسة للعلم والتعليم، ونادياً للحوار والمذاكرة، واستمر يؤدي مهمته في مختلف العصور كما في الأزهر الشريف، وجامع الزيتونة، ومسجد بني أمية، وكثير من المساجد، فقد كانت مراكز إشعاع، وقاعات مؤتمرات، وأندية مباحثات تُدرس فيها أوضاع الأمة، ويتخذ فيها أهم القرارات في حياة الأمة واقعاً ومستقبلاً.

وقد أبرزت القصة الإسلامية المعاصرة هذا الدور، ووضحت مكانة المسجد في حياة المسلمين، فبقي المسجد في ذاكرة القاص المسلم يستلهم من روحانيته، ويستمد من إشعاعه، ويعكس أثره في حياة الفرد والجماعة: مجاهدين ينطلقون من ساحاته، وتائبين يتأوهون في محرابه، وعلماء يصدعون بكلمة الحق فوق منابره، ودعاة يهزون أعماق الشاردين بمواعظهم وإرشادهم، وشباباً يؤوبون بعد أن انغمسوا في ملذات الحياة، حتى ليكاد تيارها يدفعهم إلى الأعماق لولا نقطة الضوء التي غرسها المسجد في قلوبهم، تضيء لهم طريق العودة، والفرار إلى الله.

ويظل المسجد رمزاً للطهر، وعنواناً لمواجهة الباطل، ومنارة خير يهتدي بها الهابطون إلى بر الهدى والأمان، ففي خضم الحياة، ومع تجاذب تياراتها للشباب يكاد الفتى "يسار" -كما في قصة "حديث الشيخ" لداود سليمان العبيدي- ينزلق في الهاوية بعد أن راهن أحدهم على إغوائه عن طريق جارية حسناء، تتعرض له في الطريق بحجة إعانتها على مشكلة حلت بها، ويتأرجح الفتى يسار وقد شغلته، فيستدرجه المراهن إلى منزله، ليطلعه على مخطوط نفيس، ويجمعه بالجارية، ويقدم له كأساً من الخمر، وهو يقول: اشربْ يا يسار لقد أقسمت أن أسقيك بنفسي، وبذلتُ للجارية ألف دينار؟ فيرتاع يسار، وتلوح له صورة المسجد بطهره وروحانيته، ويتذكر صورة إخوانه، وثقة الشيخ به، فينفجر غاضباً، يركل الطاولة، ويمضي يحث الخطى إلى المسجد، ليصل إليه، وقد أُديت صلاة العشاء، والشيخ لا يزال في مكانه كأنه ينتظره، وتتحول الكلمات إلى دموع، وهو يستمع إلى قوله -تعالى-: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه:82].

وفي قصة "فلا تنسَ الله" لليلى الحلو يصبح المسجد ملاذاً تلوذ به وقد داهمها السرطان، وهي في بلاد الغرب، واستولى عليها الرعب، ولكن الله فتح لها باب اللجوء إليه، والتوجه بالدعاء، فتسافر إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وتنقطع للصلاة والدعاء، وتلزم الحرم، وتكثر من شرب ماء زمزم، فتحس بانشراح الصدر، وإشراق الإيمان في قلبها، ويمن الله عليها بالشفاء وهي في حرم مكة، وتعود إلى الغرب، ويشك الأطباء أنها المريضة التي كانت تتردد عليهم من قبل.

وفي أقصوصة "نور من المحراب" من مجموعة "يا أيها الإنسان" ليوسف العظم حديث عن رجل قوقازي مهاجر مستمسك بدينه، يحرص على ابنه الذي ينحرف فترة من الزمن ثم يؤوب إلى الله، وفي المسجد يكون اللقاء، فقد اصطف المصلون، وراح صوت الإمام رخياً ندياً، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53].

وختمت الصلاة، وكانت مفاجأة للأب إذ كان الذي يجاوره ابنه، وعقدت الدهشة لسانه، فأمسك الشاب بيد أبيه يغسلها بدموع التوبة والندم، ليقول: أبي! لقد أمضيت ليلة البارحة هنا في عتمة الليل، وصمت المحراب، لقد عدت يا أبي، نعم يا أبي لقد عدت إلى الله.

كما يبرز المسجد بوصفه منطلقاً للجهاد يتربى فيه الشباب على التضحية والفداء، لينطلقوا في سبيل الله كما انطلق أسلافهم يواجهون الظلم بأشكاله وأنواعه، وتجلي القصة الإسلامية هذه الحقيقة من خلال أعمال متعددة! ففي رواية "الإعصار والمئذنة" يتحدث الدكتور عماد الدين خليل عن المواجهة بين الشيوعيين ومدينة الموصل في عهد عبدالكريم قاسم! فاتخذ المؤلف من المئذنة رمزاً لصمود المدينة المجاهدة في وجه الإعصار المخرب، إذ انطلق الشيوعيون آنذاك يقيمون المجازر، وينصبون المشانق على أعمدة الكهرباء، وأشجار الشوارع؟ فربط بين بطل الرواية هاشم الذي سقط من شدة التعذيب وهو يختلج والابتسامة على شفتيه، وسبابته تنطلق من أسر القبضة لكي ترتفع قليلاً، وبزاوية مائلة صوب السماء، وبين المئذنة التي ترمز إلى الإسلام الذي يتعرض للمحن والنكبات، ولكنه يظل كمآذن مساجده صامداً ناهضاً في وجه الأعاصير!.

وها هي ذي "فاطمة" في أقصوصة "بقعة الضوء" من مجموعة "المطر المر" لمحمد حمدان السيد، تحمل عبء المواجهة في الدفاع عن المسجد الإبراهيمي الذي دنسه الاحتلال، ووقف جنود البغي على أبوابه يهددون الداخلين إليه! الجنود الغرباء القساة يمرحون ويعربدون في ساحاته، والرجال يطأطئون الرؤوس، ويرفعون الأيدي للتفتيش.

تحسست فاطمة محفظتها، وأسكتت كل نداء للبقاء، فشدت طرفي غطاء رأسها على عنقها جيداً، وهي تتقدم بخطوات ثابتة وئيدة، واستلت من كمها سكيناً، وتعلقت بعنق الجندي صائحة! لقد دنستم المكان يا أوغاد، أما آن لكم أن ترحلوا؟ خذها من يد فاطمة، وطعنته في عنقه، وترنح الوغد تحت وطأة جراحه، وراح يخور بصوت أجش، والتفت الناس، وقد سمعوا صوت طلقات ليروا امرأة تغرغر بالروح، وهي لا تزال تتشبث بعنق الجندي المطعون، كانت فاطمة تهمس بصوت لا يكاد يُسمع! ماذا فعل الوغد؟ مشيرة إليه، ثم تتمتم: سمية كانت شهيدة! أليس كذلك؟!.

وفي أقصوصة "متى تعود الطيور المهاجرة؟" يدير محمد السيد في مجموعته "شاطئ الرؤى الخضر" حديثاً بين المدينة المقدسة ومنبر صلاح الدين، فالمدينة تتطلع إلى جنده، تترقب قدومهم، والمنبر يقف شامخاً في حزن؛ إذ لا يجد الرجال الذين عرفهم من قبل، وأما المدينة فيكاد صبرها ينفد، وهي تتساءل: متى سيحين الوقت الذي نخلص فيه من المحنة، ونفك القيد الذي كبلنا كل هذه السنين؟! ليجيب المنبر! عندما تلد الكتيبة الكتيبة، ويصبح الموت جرعة شراب مريئة، تزغرد لها النساء، ويطلبها الرجال، عندما يجتمع الصف إلى الصف، ويعضد الساعد الساعد، ويرفرف فوق كل ذلك روح صلاح الدين، ورايات عمر، وشعارات قُطز.

وإذا كان الكاتب قد أنطق الجماد فهو لم يبعد كثيراً، فللمناير قلوب، وللمدن مشاعر، وتبدل القاطنين لا يفتر من واقعها شيئاً، فكيف إذا تبدل عزها ذلاً؟ وشموخها انكساراً؟ وطهرها دنساً؟ إنها جماد ولكن تحن إلى سابق عهدها المجيد، ومن قبل قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: »أُحدٌ جبل يحبنا ونحبه« [رواه مسلم]، على الرغم من الجراحات وفقد الأحبة!.  

لقد أخذ المسجد حيزاً لائقاً في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة يتناسب مع مكانته ودوره في حياة المسلمين، وهو دور لا يزال يتجدد ويمتد، ولعل الانتفاضة التي انطلقت من رحابه كانت أصدق تعبير، كما أن فتيانها كانوا أجمل بشارة في ليل الإحباط البهيم!.

مقالات مشابهة

المسجد دوره ومكانته في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة

منذ 0 ثانية

أ. مبارك عبد الله – داعية اسلامي

المساجد والمنابر رسالة ومنهج  [3-1]

منذ 12 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

المسجد دوره ومكانته في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة

منذ 0 ثانية3108
مسجد عباد الرحمن - حي الجنينة

منذ 52 ثانية4176
خطة دعوية تنفيذية لحملة .. "حياة بلا تدخين"

منذ 54 ثانية3349
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi