شريط الأخبار

جَنَّةُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

أ. نصر فحجان - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ منذ 0 ثانية 2913

يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأَعْرَاف:19]، فَمَا هَذِهِ الجَنَّةُ التِي تَتَحَدَّثُ عَنْهَا الآيَةُ الكَرِيمَةُ؟، هَلْ هِيَ الجَنَّةُ التِي أَعَدَّهَا اللهُ تَعَالى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي السَّمَاءِ، وَالتِي يَقُولُ فِيهَا: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ [مَرْيَم:63]، أَمْ أَنَّهَا جَنَّةٌ بِرَبْوَةٍ عَلَى الأَرْضِ التِي خُلِقَ فِيهَا وَمِنْهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟

عِنْدَمَا نَتَدَبَّرُ الآيَاتِ التِي تَنَاوَلَتْ هَذِهِ المَسْأَلَةَ، وَنُقَلِّبُ أَقْوَالَ العُلَمَاءِ المُخْتَلَفَ فِيهَا، فَإِنَّنَا نَخْتَارُ -وَنَحْنُ مُطْمَئِنُّونَ- القَوْلَ الذِي يَقُولُ أَنَّ الجَنَّةَ المَذْكُورَةَ فِي الآيَةِ هِيَ جَنَّةٌ فِي الأَرْضِ؛ لِلْأَدِلَّةِ الآتِيَةِ:

أَوَّلاً:

إِنَّ اللهَ تَعَالى قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ بِوُضُوحٍ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ﴾ [البَقَرة:30]، فَهَذَا الخَلِيفَةُ سَيَكُونُ فِي الأَرْضِ التِي يَعْرِفُهَا المَلَائِكَةُ، لِذَا قَالُوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ﴾ [البَقَرة:31]، وَعِنْدَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [الأعراف:19]، فَإِنَّمَا أَسْكَنَهُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ التِي خُلِقَ مِنْ تُرَابِهَا؛ لِيَكُونَ خَلِيفَةً فِيهَا وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي مَكَانٍ آخَرَ.

ثَانِيًا:

لَقَدْ دَخَلَ الشَّيْطَانُ (إِبْلِيسُ) فِي الجَنَّةِ التِي أَسْكَنَ اللهُ تَعَالى فِيهَا آدَمَ وَزَوْجَهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَتَحَدَّثَ مَعَهُمَا لِيُغْوِيَهُمَا، فَيَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ التِي نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْ الاقْتِرَابِ مِنْهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ﴿فوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأَعْرَاف:20]، فَالشَّيْطَانُ يَدْخُلُ هَذِهِ الجَنَّةَ وَيُمَارِسُ فِيهَا الوَسْوَسَةَ وَالإِغْوَاءَ؛ لِأَنَّهَا جَنَّةٌ فِي الأَرْضِ، وَالأَرْضُ تَضُمُّ الأَضْدَادَ مِنَ الخَلَائِقِ مُؤْمِنِينَ وَكَافِرِينَ، وَاللهُ تَعَالى لَا يَأْذَنُ لِلْشَّيْطَانِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ العَالِيَةِ (جَنَّةِ الخُلْدِ) التِي أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُتَّقِينَ، فَعَمَلُهُ وَإِغْوَاؤُهُ يَنْحَصِرُ فَقَطْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهَذَا مَا تُشِيرُ إِلَيْه الآيَةُ عَلَى لِسَانِ الشَّيْطَانِ: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحِجْر:39]، فَالكَلَامُ وَاضِحٌ هُنَا أَنَّ تَزْيِينَ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَاءَهُ لِلْإِنْسَانِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ.

ثَالِثًا:

إِنَّ كَلِمَةَ (الجَنَّةِ) لَفْظَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَهِيَ لَا تَعْنِي دَائِمًا الجَنَّةَ العَالِيَةَ التِي فِي السَّمَاءِ، بَلْ وَرَدَتْ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ بِمَعْنَى الحَدِيقَةِ أَوِ البُسْتَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [القَلَم:17]، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالى أَيْضًا: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا﴾ [الكَهْف:35]، فَالجَنَّةُ هُنَا بِمَعْنَى البُسْتَانِ أَوِ الحَدِيقَةِ المُثْمِرَةِ، وَهُوَ نَفْسُ مَا نَفْهَمُهُ مِنْ مَدْلُولِ كَلِمَةِ (الجَنَّةِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [الأَعْرَاف:19].

رَابِعًا:

يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ﴾ [طه:123]، وَالهُبُوطُ هُنَا بِمَعْنَى: (الانْتِقَالِ مِنْ أَرْضٍ مُرْتَفِعَةٍ، أَوْ مِنْ تِلَالٍ وَهِضَابٍ وَرَوَابٍ إِلَى أَرْضٍ مُنْخَفِضَةٍ)، وَلَا تَعْنِي مُطْلَقًا مَعْنَى النُّزُولِ مِنَ السَّمَاءِ، فَالنُّزُولُ أَمْرٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ عَنِ الهُبُوطِ، وَلَقَدِ اسْتَخْدَمَ القُرْآنُ الكَرِيمُ لَفْظَةَ (اهْبِطُوا) فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ﴾ [البَقَرَة:61]، أَيِ اذْهَبُوا إِلَى مَكَانٍ مُحَدَّدٍ وَسَتَجِدُونَ مَا سَأَلْتُمْ.

وَاللهُ تَعَالى عِنْدَمَا قَالَ لِآدَمَ وَلِزَوْجِهِ -اللَّذَيْنِ يُمَثِّلَانِ جِنْسًا وَاحِدًا- وَلِلْشَّيْطَانِ: ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ﴾ [طه:123]، فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُمْ: اخْرُجُوا مِنْ هَذِهِ الجَنَّةِ (الحَدِيقَةِ)، وَانْتَقَلُوا إِلَى خَارِجِهَا فِي هَذِهِ الأَرْضِ التِي يَلْزَمُ لِلْعَيْشِ فِيهَا المَزِيدُ مِنَ الشَّقَاءِ وَالسَّعْيِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ [طَه:117].

خَامِسًا:

إِنَّ الجَنَّةَ التِي أَعَدَّهَا اللهُ تَعَالى لِلْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ هِيَ دَارُ الخُلُودِ وَالبَقَاءِ، فَلَا مَوْتَ وَلَا فَنَاءَ وَلَا زَوَالَ وَلَا خُرُوجَ وَلَا إِخْرَاجَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النِّسَاء:57]، فَمَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ بِالسُكْنَى فِي الجَنَّةِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ آدَمُ وَزَوْجُهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَدْ سَكَنَا هَذِهِ الجَنَّةَ لَظَلَّا فِيهَا مِنَ الخَالِدِينَ أَبَدًا.

سَادِسًا:

جَاءَ فِي وَصْفِ جَنَّةِ الخُلْدِ: ﴿لَّا مَقْطُوعَةٍۢ وَلَا مَمْنُوعَةٍۢ﴾ [الوَاقِعَة:33]، فَفِيهَا كُلُّ مَا تَشْتَهِي النُّفُوسُ بِلَا مَنْعٍ وَبِلَا قَطْعٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي جَنَّةِ الأَرْضِ التِي أَسْكَنَ اللهُ تَعَالى آدَمَ وَزَوْجَهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِيهَا، بَلْ قَالَ اللهُ تَعَالى بِشَأْنِهَا: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البَقَرة:35]؛ مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّهَا جَنَّةٌ (حَدِيقَةٌ) فِي الأَرْضِ.

سَابِعًا:

الأَرْضُ دَارُ عَمَلٍ وَابْتِلَاءٍ، وَجَنَّةُ الخُلْدِ دَارُ جَزَاءٍ وَعَطَاءٍ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ ابْتَلَى آدَمَ فِي جَنَّةِ الأَرْضِ بِعَدَمِ الاقْتِرَابِ مِنَ الشَّجَرَةِ، لَكِنَّهُ نَسِيَ وَعَصَى رَبَّهُ وَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طَه:115]، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ [طَه:121-122]، فَلَوْ كَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي جَنَّةِ السَّمَاءِ لَمَا كَانَ لِيَقُومَ بِعَمَلٍ أَوْ يَتَعَرَّضَ لِابْتِلَاءٍ، وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَرِفَ مَعْصِيَةً أَوْ يُحْدِثَ تَوْبَةً؛ لِأَنَّ جَنَّةَ السَّمَاءِ دَارُ جَزَاءٍ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ.

ثَامِنًا:

يَقُولُ اللهُ تَعَالى فِي وَصْفِ جَنَّةِ الخُلْدِ التِي أَعَدَّهَا لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ: ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا﴾ [النَّبَأ:35]، لَكِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ سَمِعَ فِي الجَنَّةِ التِي أَسْكَنَهُ اللهُ تَعَالى فِيهَا كَذِبَ إِبْلِيسَ وَإِغْوَاءَهُ؛ مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ فِي جَنَّةٍ (حَدِيقَةٍ) عَلَى الأَرْضِ، فِيهَا لَغْوٌ وَكَذِبٌ وَتَأْثِيمٌ.

تَاسِعًا:

إِنَّ القَوْلَ بِأَنَّ آدَمَ وَزَوْجَهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَدْ أَسْكَنَهُمَا اللهُ جَنَّةَ الآخِرَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الآخِرَةُ هِيَ الدَّارَ الأُولَى أَوِ الدُّنْيَا، فَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ لِلْدَّارَيْنِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ.

كُلُّ مَا سَبَقَ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُنَا نَسْتَرِيحُ وَنَحْنُ نَخْتَارُ بَعْدَ هَذَا التَّدَبُّرِ القَوْلَ بِأَنَّ الجَنَّةَ التِي أَسْكَنَ اللهُ آدَمَ وَزَوْجَهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانَتْ جَنَّةً فِي هَذِهِ الأَرْضِ، وَأَنَّ جَنَّةَ الخُلْدِ التِي فِي السَّمَاءِ هِيَ مَا يَنْتَظِرُ المُؤْمِنِينَ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، وَاللهُ تَعَالى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

مقالات مشابهة

جَنَّةُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

منذ 0 ثانية

أ. نصر فحجان - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

المسجد الإلكتروني .. آفاق دعوية متجددة

منذ 35 ثانية

أ. أمل خيري - داعية مصرية

آدابُ الزيارةِ والزياراتِ المفاجئةِ في الإسلامِ

منذ 50 ثانية

د. عبد الباري خِلّة - خطيب بوَزارة الأوقاف

ما هِيَ مَسْئُوْلِيَّتُكَ الأُوْلى؟

منذ 1دقيقة

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

جَنَّةُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

منذ 0 ثانية2913
التشاح في الأذان والإقامة

منذ 11 ثانية3046
المسجد الإلكتروني .. آفاق دعوية متجددة

منذ 35 ثانية4040
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi