شريط الأخبار

الأَخْذُ بِالأَسْبَابِ فِي حَياةِ الأَنْبِياءِ وَالصَّالِحِينَ

أ. سليمان أبو ستة - خطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقافِ منذ 0 ثانية 6162

المُؤْمِنُ مُطُالَبٌ بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللهِ تَعالى كَأَشَدِّ ما يَكُونُ التَّوَكُّلُ، لَكِنَّهُ فِي اللَّحْظَةِ ذاتِها لا يُمْكِنُ أَنْ يَنْجَحَ إِلَّا إِذَا أَخَذَ بِالأَسْبابِ كَأَفْضِلِ مَا يَكُونُ الأَخْذُ بِها، وَإِذَا تَأَمَّلْنا القُرْآنَ الكَرِيمَ وَجَدْنا هَذِهِ المُعَادَلَةَ وَاضِحَةً تَماماً فِي سِيَرِ الأَنْبِياءِ الكِرَامِ، فَها هُوَ يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلام- يَحُثُّ وَلَدَهُ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلام- عَلى الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ، فَعِنْدَما قالَ يُوسُفُ لِأَبْيِهِ: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4]، رَدَّ عَلَيْهِ والِدُهُ يَعْقُوبُ بِكَلِمَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّ مَنْهَجَ حَياةٍ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا﴾ [يوسف:5]، وَنَحْنُ اليَوْمَ مُطَالَبُونَ بِتَأَمُّلِ هَذا المَنْهَجِ النَّبَوِيِّ الكَرِيمِ لِيَكُونَ نِبْرَاساً لَنا فِي حَياتِنا فِي مُواجَهَةِ خُصُومِنا، وَفِي كافَّةِ تَفاصِيلِ حَياتِنا، فَيَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلام- كان قادِراً عَلى قِرَاءَةِ المُسْتَقْبَلِ وَفَهْمِ نَفْسِيَّاتِ البَشَرِ وَتَوَقُّعِ الاحْتِمَالِ الأَسْوَأِ، وَهُوَ أَنْ يَكِيدَ إِخْوَةُ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلام- لَهُ، فَاسْتَعَدَّ لِذَلِكَ مُبَكِّرَاً بِأَنْ أَمَرَ يُوسُفَ أَلَّا يَقُصَّ رُؤْياهُ عَلى إِخْوَتِهِ، تَخَيَّلْ أَنَّنا قُمْنا بِتَطْبِيقِ هَذِهِ المَنْهَجِيَّةِ فِي حَياتِنا اليَوْمِيَّةِ كَأَفْرَادٍ، وَفِي حَياتِنا العامَّةِ كَمُؤَسَّسَاتٍ، فِي السِّياسَةِ وَالاقْتِصَادِ وَالإِدَارَةِ، وَفِي التَّعْلِيمِ وَالصِّحَّةِ وَالأَمْنِ وَالحَرْبِ.

وَمِنَ الأَخْذِ بِالأَسْبابِ فِي قَصَّةِ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلام- أَنَّهُ حِينَما كانَ سَجِينَاً، وَعَلِمَ أَنَّ أَحَدَ المَسْجُونِينَ سَيُصْبِحُ ساقِيَاً لِلْمَلِكِ، لَمْ يُفَوِّتْ هَذِهِ الفُرْصَةَ، قالَ تَعالى: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾ [يوسف:42]، أَيْ تَعَمَّدْ ذِكْرِي عِنْدَ المَلِكِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي السِّجْنِ رَجُلاً مَظْلُومَاً، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إِنْقاذِهِ مِنْ ظُلْمِهِ، وَهَذا أَخْذٌ بِالأَسْبابِ من النَّبِيِّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلام-، وَلا يَتَنافَى ذَلِكَ مَعَ تَوَكُّلِهِ عَلى اللهِ تَعالى، فَلا تَعَارُضَ عَلى الإِطْلاقِ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَهَذا مَا تَكَرَّرَ مِنْ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلام- لاحِقاً، عِنْدَما أَرَادَ أَنْ يُبْقِيَ أَخَاهُ مَعَهُ فِي مِصْرَ؛ فَوَضَعَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، فَلَمَّا اتَّهَمَ العِيرَ بِالسَّرِقَةِ وَأَرَادَ اسْتِخْرَاجَها، لَمْ يَبْدَأْ بِوِعَاءِ أَخِيهِ، وَإِنَّما بَدَأ بِأَوْعِيَتِهِم قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ، وَهَذا بِدَوْرِهِ يُدَلِّلُ عَلى أَهَمِّيَّةِ الأَخْذِ بِالأَسْبابِ فِي مَسِيرَةِ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلام-.

وَفِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الكَهْفِ مُؤَشِّرٌ واضِحٌ عَلى أَهَمِّيَّةِ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا مِنْ نَوْمَتِهِمُ الطَّوِيلَةِ، قال اللهُ تَعالى عَلى لِسانِهم: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف:19]، فَقَدْ كَانُوا حَرِيصِينَ عَلى عَدَمِ إِشْعَارِ أَحَدٍ بِوُجُودِهِم، وَكَانُوا عَلى اعْتِقَادٍ جَازِمٍ بِأَنَّ تَقْصِيرَهُمْ فِي الأَخْذِ بِالأَسْبابِ سَيُؤَدِّي إِلى كَشْفِ أَمْرِهِم، وَتَعْذِيبِهم، قال اللهُ تَعالى عَلى لِسانِهم: ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف:20].

وَحَدَّثَنا رَبُّنا فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ عَنْ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ يَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ، فَكَتَمَ إِيمَانَهُ؛ نَظَرَاً لِقُوَّةِ الظَّالِمِينَ وَقُدْرَتِهِم عَلى البَطْشِ بِهِ، قال تَعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ [غافِر:40]، وَهَذا أَخْذٌ مِنْهُ بِأَسْبَابِ نَجَاتِهِ مِنْ مَكْرِ المَاكِرِينَ، وَفِي المُقَابِلِ حَدَّثَنا رَبُّنا عَنْ مُؤْمِنِينَ هَلَكُوا عَلى يَدِ أَعْدَائِهِم؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالأَسْبَابِ، فَلَقَدْ تَمَتَّعَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ بِإِيمَانٍ عَمِيقٍ، وَرُغْمَ ذَلِكَ حُرِقُوا بِالنَّارِ عَلى يَدِ الظَّالِمِ، وَقَصَّ اللهُ عَلَيْنا هَذِهِ القِصَّةَ؛ لِتَكُونَ عِبْرَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنِ امْتِلاكِ القُوَّةِ وَالأَخْذِ بِأَسْبَابِ المَنَعَةِ؛ لِحِمَايَةِ أَرْوَاحِ المُؤْمِنِينَ وَأَمْوَالِهم وَأَعْرَاضِهِم وَدِينِهِم وَأَرْضِهِم مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِينَ، قال تَعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ﴾ [الأنفال:60].

وَعِنْدَ تَأَمُّلِ مَسِيرَةِ الأَنْبِياءِ نَجِدُ أَنَّهُم أَخَذُوا بِالأَسْبابِ، وَكَانُوا قُدْوَةً لَنا فِي ذَلِكَ، فَنُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلام- صَنَعَ السَّفِينَةَ، وَدَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلام- صَنَعَ الدُّرُوعَ، وَذُو القَرْنَيْنِ بَنَى السَّدَّ، وَخُلاصَةُ القَوْلِ: التَّوَكُّلُ عَلى اللهِ وَالأَخْذَ بِالأَسْبَابِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مَعَاً، كَأَفْضَلِ ما يَكُونُ التَّوَكُّلُ عَلى اللهُ، وَكَأَفْضَلِ ما يَكُونُ الأَخْذُ بِالأَسْبَابِ.

مقالات مشابهة

الأَخْذُ بِالأَسْبَابِ فِي حَياةِ الأَنْبِياءِ وَالصَّالِحِينَ

منذ 0 ثانية

أ. سليمان أبو ستة - خطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقافِ

مَعَالمُ الرُّجُولَةِ

منذ 2 دقيقة

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوزارة الأوقاف

خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلْنَّاسِ

منذ 3 دقيقة

أ. حسن أبو زيد - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

الأَسْرَارُ الخَفِيَّةُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ البَهِيَّةِ

منذ 4 دقيقة

أ.د محمود خليل أبو دف - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الأَخْذُ بِالأَسْبَابِ فِي حَياةِ الأَنْبِياءِ وَالصَّالِحِينَ

منذ 0 ثانية6162
حملة دعوية مسجدية بعنوان: (ذكر الله حياة)

منذ 1دقيقة4394
مسجد البشير - رفح الشرقية

منذ 2 دقيقة3047
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi