شريط الأخبار

رِحْلَةُ الخُلُودِ

أ. محمود سلامة - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2696

الشَّخْصُ الطَّمُوحُ يَسْعَى لِتَحْقِيقِ أَمَانِيهِ، بَاحِثًا عَنِ النَّجَاحِ، غَيْرَ أَنَّ المُؤْمِنَ يَجْعَلُ هَمَّهُ نَجَاحَ الآخِرَةِ فَهِيَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَيَجْعَلُ المَوْتَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَاذْكُرِ المَوْتَ تَجِدْ رَاحَةً، ففِي تَذَكُّرِ المَوْتِ تَقْصِيرُ الأَمَلِ، فَيَسْعَى المُؤْمِنُ مُجْتَهِدًا لِفِعْلِ الخَيْرِ وَأَعْمَالِ البِرِّ، فَلَهْوُهُ التَّعَبُ وَحَيَاتُهُ الجِدُّ؛ إِذْ يَطْلُبُهُ المَوْتُ فِي أَيِّ لَحْظَةٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: "مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ أُكْرِمَ بِثَلَاثِ أَشْيَاءَ: تَعْجِيلِ التَّوْبَةِ، وَقَنَاعَةِ القَلْبِ، وَنَشَاطِ العِبَادَةِ، وَمَنْ نَسِيَ المَوْتَ عُوقِبَ بِثَلَاثِ أَشْيَاءَ: تَسْوِيفِ التَّوْبَةِ، وَتَرْكِ الرِّضَا بِالْكَفَافِ، وَالتَّكَاسُلِ فِي العِبَادَةِ".

المَرْءُ تَوَّاقٌ إِلَى مَا لَمْ يَنَلْ *** وَالمَوْتُ يَتْلُو وَيُلْهِيهِ الأَمَلْ

قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاها وَتَمَنَّى عَلى اللهِ الأَمَانِي» [رواه الترمذي]، وَمُعْظَمُ النَّاسِ يَدَّخِرُ مَبْلَغًا مِنَ المَالِ أَيًّا كَانَ صِنْفُهُ، فَتَسْأَلُهُمْ: لِمَ ذَلِكَ؟ فَيُجِيبُونَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: لِنَوَائِبِ الدِّهْرِ وَضَمَانِ مُسْتَقْبَلِ الأَوْلَادِ، غَيْرَ أَنَّ قَلِيلاً مِنَ النَّاسِ وَهُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا يَجْعَلُونَ لَهُمْ رَصِيدًا لِلآخِرَةِ، فَيَجْمَعُونَ مِنَ الفَانِيَةِ لِلْبَاقِيَةِ، يَبِيعُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَيَجْعَلُونَ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ وَقَوْلٍ نَصِيباً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَرَاهُمْ يُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ كُلِّ تَقْصِيرٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشِعَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِ: (هَيَّا بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً)، يَقُولُ تَعَالى: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا﴾ [محمد:29]، يَبْحَثُونَ عَنْ خَيْرِ العَمَلِ؛ لِيَنَالُوا خَيْرَ الثَّوَابِ.

وَهُنا اسْأَلْ نَفْسَكَ: مَا هُوَ الشَّيْءُ الذِي قَدَّمْتَهُ لِدِينِكَ فَنَصَرْتَ الإِسْلَامَ بِهِ، لِتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَفْتَخِرُ بِمَا قَدَّمْتَ وَصَبَرْتَ، يَقُولُ تَعَالى: ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد:21].

وَلَمَّا عَلِمَ المُوَفَّقُونَ مَا خُلِقُوا لَهُ وَمَا أُرِيدَ بِإِيجَادِهِمْ رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا عَلَمُ الجَنَّةِ قَدْ رُفِعَ لَهُمْ، فَشَمَّرُوا إِلَيْهِ، وَإِذَا صِرَاطُها المُسْتَقِيمُ قَدْ وَضُحَ لَهُمْ فَاسْتَقَامُوا عَلَيْهِ، وَرَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الغُبْنِ بَيْعَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشرٍ فِي تأَبِيدٍ لَا يَزُولُ وَلَا يَنْفَدُ، وَفِي هَذَا الانْدِمَاجِ القَلْبِيِّ الرُّوحِيِّ يَرْسُمُونَ طَرِيقَةَ الحَيَاةِ الأُخْرَوِيَّةِ فِي الجَنَّةِ فِي مُخَيِّلَتِهُمْ ، فَيُقَدِّمُونَ فِي سَبِيلِ الوُصُولِ إِلَيْها كُلَّ مَا يَمْلِكُونَ، فَعَافُوا الرُّقَادَ، وَمَزَجُوا مَرَارَةَ الأَلَمِ بِحَلَاوَةِ مَا أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ فِي الجِنَانِ، فَتَاقَتْ أَرْوَاحُهُمْ شَوْقًا لِذَلِكَ، وَيَا سَعْدَهُمْ حِينَ يُنَادِي عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَليْكُمْ، فَيُجِيبُونَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، فَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ: مَاذَا يَتَمَنَّونَ؟ وَإِذَا بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: أَرِنَا وَجْهَكَ نَنْظُرْ إِلَيْكَ، فَيَكُونُ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ.

وَمِنْ دُعَائِهِمْ: ﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ  إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان:65-66]، ذَلِكَ الخَوْفُ مِنَ لَظَى جَهَنَّمَ وَمِنْ حَرِّهَا، يَدْفَعُ المُؤْمِنَ لِلاسْتِعَاذَةِ مِنْها وَمِنْ زَفَرَاتِها، فَيَدْعُو: اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ، يَنْظُرُ إِلَى مَصِيرِ المُجْرِمِينَ وَالظَّالِمِينَ إِذْ تَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ، وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا مِنْ قَطِرَانٍ، وَشَرَابُهُمْ مِنْ حَمِيمٍ، وَيُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ فَتُقَطَّعُ أَمَعَاؤُهُمْ، يَتَمَنَّوْنَ المَوْتَ فَيَكُونُ الرَّدُّ: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزُّخْرُف:77]، كُلُّ هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالى: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا﴾ [النَّبَأ:26]، فَيُشْفِقُ المُسْلِمُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُجْبِرُهَا عَلَى تَرْكِ الحَرَامِ، وَأَلَّا يَسْلُكَ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ، وَيُسَلِّي نَفْسَهُ قَائِلًا: أَصْبِرُ عَلَى الجُوعِ وَالعَطَشِ وَالسِّجْنِ وَالأَلَمِ، وَلَا أَصْبِرُ عَلَى النَّارِ.

مقالات مشابهة

رِحْلَةُ الخُلُودِ

منذ 0 ثانية

أ. محمود سلامة - خطيب بوَزارة الأوقاف

مَنْعُ المِيْرَاثِ مِنَ الكَبَائِرِ

منذ 45 ثانية

د. محمد كمال سالم - خَطِيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

حَقُّنا الشَّرْعِيُّ فِي فِلَسْطِيْنَ

منذ 1دقيقة

م. أحمد علي أبو العمرين - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

رِحْلَةُ الخُلُودِ

منذ 0 ثانية2696
الصِّحَّةُ النَّفْسِيَّةُ لِأَسْرَى الحُرِّيَّةِ فِي يَوْمِ الأَسِيْرِ الفِلَسْطِيْنِيِّ

منذ 15 ثانية2607
الأعياد في الإسلام طُهْرٌ وتواصلٌ وأفراح

منذ 21 ثانية3462
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi