شريط الأخبار

الرِّفْقُ واللِّيْنُ في حياةِ المسلمينَ

د. شادي حمزة طبازة - خطيب بوزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2705

حامدًا اللهَ تعالى على نِعَمِه وآلائِه، ومُصلِّيًا ومُسلِّمًا على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبعدُ :

فإنَّ مِنْ جميلِ نِعَمِ اللهِ تعالى علينا في هذه الحياةِ وعظيمِها أنْ أكرمَنا، فأرسلَ إلينا رسولًا منّا نعرِفُ صِدْقَه ونَسَبَه وأمانتَه وعَفافَه، بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ، وصَفَه ربُّ العِزَّةِ جلَّ جلالُه في كتابه، قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128].

وإنَّ اللهَ -عزّ وجل- أنزلَ على رسولِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينَ الإسلامِ المُتَّصِفَ بالشموليةِ والموضوعيةِ، فما أباحَ لنا إلا ما فيه خيرٌ للبشرية جمعاء في الدنيا والآخرةِ، وما حرَّم علينا إلا ما فيه خُبْثٌ وأذىً، ذاك الدينُ الذي يسعَد كُلُّ مَنْ ينتمي إليه؛ فقد اتّسمَ بجميلِ الأخلاقِ، وعظيمِ الأوصافِ، وقد بيّن اللهُ جلَّ وعلا سبيلَ الأنبياءِ والمرسلينَ ومَنْ سار على نهْجِهم في هدايةِ الناسِ لهذا الدينِ بالحكمةِ، والموعظةِ الحسنةِ، والكلمةِ الطيبةِ، فقال تعالى مُخاطِبًا رسولَه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل:125].

وإنَّ الأَجْملَ أن تجدَ الإسلامَ يحُثُّ على الدعوةِ إلى اللهِ برفقٍ ولينٍ حتى لكبارِ المُعانِدينَ، بل لِمَنِ ادَّعى لنفسِه الربوبيةَ مِنْ دونِ اللهِ تعالى، فقد وجَّه اللهُ تعالى موسى وهارونَ -عليهما السلام- لهداية فرعون، فقال تعالى موصياً لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:44]، قال القُرْطُبِيُّ -رحمه اللهُ تعالى- أن هذه الآيةَ دليلٌ على جوازِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ برفق ولين من القول لمَن معَه القوّةُ المطلقة، وضُمِنتْ له العِصْمةُ، حيث قال تعالى: ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:46]، وحينَئذٍ يحصلُ الآمِرُ أو الناهي على مرغوبِه، ويظفرُ بمطلوبِه [انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 11/199-200].

وكذلك لابُدَّ أن يحْذرَ كُلُّ مِنْ امتنَّ اللهُ تعالى عليه بالإسلام أن يفتِنَ الناسَ عن الإسلامِ بشِدَّتِه وغِلْظَتِه، بدلًا من أنْ يُرَغِّبَهم في الإسلام برفقِه ولِينِه، فمِنَ الظُّلمِ أنَ يكونَ المسلِمُ سببًا في صدِّ الناسِ عن الإسلامِ بسُوءِ خُلُقِه، لا سيما في الوقتِ الذي يتجرّأُ فيه أعداءُ الإسلامِ على المسلمينَ، ويصفون الإسلامَ بأسوأِ الصفاتِ التي منها أنّه دينُ الإرهابِ، ممّا يُشوِّهُ ذلك السَّمْتَ الجميلَ للمسلِمِ الذي يتحلّى بالرفقِ، وقد قال الرسول الأعظم [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فيما أخرجَه الإمامُ مُسْلِمٌ في صحيحِه مِنْ حديثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» [صحيح مسلم، ح/‏4804].

ورحِم اللهُ الشيخَ عبدَ العزيزِ بنَ بازٍ حينَ قالَ: "ولا سيما في هذا العصرِ، هذا العصرُ: عصرُ الرفقِ، والصبرِ، والحكمةِ، وليس عصرَ الشدةِ. الناسُ أكثرُهم في جهلٍ، في غفلةٍ وإيثارٍ للدنيا، فلا بُدَّ مِن الصبرِ، ولا بد من الرفق حتى تصلَ الدعوةُ، وحتى يُبَلَّغَ الناسُ وحتى يعلموا، ونســــــألُ اللهَ للجميعِ الهدايةَ".

وقد تعاملَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرفقِ مع أشدِّ الناسِ عداوةً للذين آمنوا، ففيما أخرجه البُخَاريُّ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُم السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ» [صحيح البخاري، ح/‏5910]، وقد بيّن شيخُ الإسلامِ ابنُ حجَرٍ -رحمه اللهُ تعالى- أثَرَ الرفقِ، فقال: "يَتَأَتَّى مَعَهُ مِنَ الْأُمُور مَا لَا يَتَأَتَّى مَعَ ضِدّه" [فتح الباري، لابن حجر 10/449].

ولسنا في مقامِ التحدُّثِ بالتفصيلِ عن أخلاقِ الإسلامِ، وعن أخلاقِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يتعاملُ بها مَعَ غيرِ المسلمينَ، والتي ساهمتْ بشكلٍ ملحوظٍ في دخولِ الناسِ في دينِ اللهِ تعالى، والأمثلةُ من السنةِ كثيرةٌ، منها حديثُ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: "أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» [أخرجه البخاري في صحيحه، ح/‏1302]، فزيارةُ المريضِ وحُسْنُ مُعاملتِه، والرفقُ به والتلطُّفُ به، كانت سببًا في دخولِه في دينِ اللهِ جل وعلا، فإذا كان ذلك مَعَ غيرِ المسلمينَ، فكيف سيكونُ التعاملُ بين المسلمينَ أنفسِهم؟!.

فحَرِيٌّ بأهلِ هذا الزمانِ من العلماءِ وطلَبةِ العلمِ، وغيرِهم ممن يملِكُ وسيلةً ليحبّبَ الناسَ في دينِ اللهِ تعالى أنْ يتعاملَ بها؛ علَّها تكونُ سببًا في نصرةِ الإسلامِ وعِزِّ المسلمينَ.

مقالات مشابهة

الرِّفْقُ واللِّيْنُ في حياةِ المسلمينَ

منذ 0 ثانية

د. شادي حمزة طبازة - خطيب بوزارة الأوقاف

المَوْقِفُ مِنَ التُّراثِ

منذ 16 ثانية

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

"تَرْشِيدُ الخِلْفَةِ" أَوْ تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ!

منذ 2 دقيقة

أ. محمد علي عوض - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

ذنوب الخلوات

منذ 3 دقيقة

د. عبد الباري محمد خِلّة - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الرِّفْقُ واللِّيْنُ في حياةِ المسلمينَ

منذ 0 ثانية2705
المَوْقِفُ مِنَ التُّراثِ

منذ 16 ثانية2584
مسجد طارق بن زياد - رفح

منذ 31 ثانية3475
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi