شريط الأخبار

وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ!

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف منذ 0 ثانية 3115

إنَّ مِنَ الظُّلْمِ لِمَفْهُومِ الجِهادِ فِي الإسْلامِ أنْ نَتَعامَلَ مَعَهُ عَلَى أنَّهُ مُجَرَّدُ حَمْلِ سِلاحٍ فَقَطُ، كلَّا؛ فَالجِهادُ أوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، فَكُلُّ مَصْلَحَةٍ يَحْتاجُها المُجْتَمَعُ فَإِنَّها تُعَدُّ ثَغْرًا شاغِرًا يَحْتاجُ لِمُرابِطِينَ عَلَيْهِ، وَحِيْنَما تَهْتَمُّ الأُمَّةُ بِالْثُّغُورِ العَسْكَرِيَّةِ وتَتْرُكُ بَقِيَّةَ الثُّغُورِ فَإِنَّ الحُصُونَ بِذَلِكَ تَكُونُ مُهَدَّدَةً مِنَ الدَّاخِلِ.

ويَكْفِي أنْ نَعْلَمَ أنَّ جِهادَ الحُجَّةِ والبَيانِ أسْماهُ القُرْآنُ الكَرِيمُ (الجِهادَ الكَبِيرَ) حَيْثُ قالَ تَعالى: ﴿فَلَاْ تُطِعِ الكَاْفِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيْرًا﴾ [الفُرْقان:52]، أيْ جاهِدْهُم بِالْإِسْلامِ أو القُرْآنِ، وقَدْ رَدَّ الإمامُ القُرْطُبِيُّ عَلى مَنْ أرادَ إقْحامَ الجِهادِ بِالْسَّيْفِ فِي الآيةِ بِقَوْلِهِ: "وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ" [تَفْسِيرُ القُرْطُبِيِّ، (13/58)].

وإنَّ اعْتِبارَ "سَبِيلِ اللهِ" هُوَ العَمَلُ القِتالِيُّ فَقَطُ كانَ أحَدَ الظُّنُونِ الخاطِئةَ عِنْدَ الصَّحابَةِ، فَبَيْنَما كانَ الصَّحابَةُ مُجْتَمِعِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذْ رَأَوْا شابًّا قَوِيًّا يَعْمَلُ بِجِدٍّ ونَشاطٍ، فَتَمَنَّوْا لَوْ جَعَلَ هذا الشابُّ نَشاطَهُ وقُوَّتَهُ فِي الجِهادِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا سَمِعَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرادَ أنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ المَعْنى الواسِعَ لِلْعَمَلِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقالَ: «وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ؟» وفِي رِوايَةٍ: «إلَّا مَنْ قَتَلَ؟»، ثُمَّ وَسَّعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَفْهُومَ، فَقالَ: «مَنْ سَعَى عَلَى وَالِدَيْهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى عِيَالِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعُفُّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ» [رواه البيهقي]، ولَقَدْ جاءَتْ أحادِيْثُ نَبَوِيَّةٌ عَدِيدَةٌ تُبَيِّنُ لِلْأُمَّةِ أنَّ الجُهُودَ التِي تُبْذَلُ فِي مُساعَدَةِ النَّاسِ هِيَ شَكْلٌ مِنْ أشْكالِ الجِهادِ، فَقَدْ جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» [رواه البخاري]، وفِي حَدِيثٍ آخَرَ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله أو: كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ» [رواه البخاري].

إنَّ أُمَّتَنا تُعانِي مِنْ أمْراضٍ داخِلِيَّةٍ كَثِيرةٍ تَنْخُرُ فِي جَسَدِها، ومِنْ هذهِ الأمْراضِ: غِيابُ العَدالَةِ الاجْتِماعِيَّةِ، والفَقْرُ وانْتِشارُ الغِشِّ والفَسادِ، والبَطالَةُ، وزِيادَةُ مُعَدَّلاتِ الطَّلاقِ، وضَعْفُ التَّعْلِيمِ، وقِلَّةُ النَّظافَةِ، وضَعْفُ المُسْتَوى الطِّبِّيِّ، والإدْمانُ.. إلخ، وإنَّ القِيامَ بِالْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ يَقْتَضِي وُجُودَ فِئَةٍ تَتَصَدَّى لِكُلِّ مُشْكِلةٍ مِنْ هذه المُشْكِلاتِ.

وَعَلَيْنا أنْ نَعِيَ أنَّ الذِيْنَ يَقُومُونَ بِهذهِ المَهَمَّاتِ هُمْ مُجاهِدُونَ، فَالْأَطِبَّاءُ والمُدَراءُ والمُعَلِّمُونَ والعُمَّالُ والتُّجَّارُ والمُوَظَّفُونَ والمُهَنْدِسُونَ هُمْ مُرابِطُونَ مُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، ولَهُمْ عَظِيمُ الأَجْرِ عِنْدَ اللهِ إذا أدَّوْا أعْمالَهم بِإِتْقانٍ وإخْلاصٍ.

لقَدْ تَغَيَّبَ عُثْمانُ بْنُ عَفَّانٍ -رضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ؛ لِيَقُومَ عَلى رِعايةِ زَوْجِهِ -بِنْتِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَرِيضَةِ، فقالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» [رواه البخاري].

وَلِأنَّ رِعايَةَ شُؤْونِ النَّاسِ مَهَمَّةٌ عَظِيمةٌ وأجْرُها كَبِيرٌ، اسْتَخْلَفَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّحابِيَّ الجَلِيلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ يَوْمَ تَبُوكٍ عَلى المَدِينةِ المُنَوَّرَةِ؛ لِيَقُومَ بِرِعايَةِ شُؤْونِ النَّاسِ المُتَبَقِّينَ فِيْها مِنَ النِّساءِ والصِّبْيانِ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ مُتَأَلِّمًا: يَا رَسُولَ اللهِ، خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فكانَ الجَوابُ النَّبَوِيُّ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» [رواه البخاري].

إنَّ الإسْلامَ دِيْنٌ جاءَ لِيَبْنِيَ الحَياةَ، ويُحَقِّقَ مَصالِحَ النَّاسِ، وما شُرِعَ الجِهادُ العَسْكَرِيُّ إلَّا لِلْدِّفاعِ عَنِ النَّاسِ، وَلَنْ يُؤْتِيَ الجِهادُ المُسَلَّحُ ثِمارَهُ إلَّا إذا سَدَدْنا بَقِيَّةَ الثُّغُورِ، بَلْ إنَّ المُجاهِدَ الذِي يَحْمِلُ السِّلاحَ يَحْتاجُ إلى مَنْ يَخْلُفُهُ فِي أهْلِهِ، لِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» [متفق عليه].

مقالات مشابهة

وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ!

منذ 0 ثانية

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الكَرَّارُونَ

منذ 1دقيقة

أ. محمد شفيق السرحي - خطيب بوَزارة الأوقاف

حوار خاص مع د. خالد أبو شادي - داعية إسلامي

منذ 5 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية - فلسطين

ما حكم رفع الصوت في المسجد والجهر فيه؟

منذ 5 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ!

منذ 0 ثانية3115
فعاليات متعددة .. ساهم معنا في نصرة المسجد الأقصى

منذ 24 ثانية5180
التوسط في الولاء

منذ 31 ثانية2983
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi