لَمْ يُحَدِّدْ الشَّرْعُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ أُسْلُوْباً مُعَيَّناً أوْ قَدْراً مُحَدَّداً، وإنَّما ذلك يَخْتلِفُ بِاخْتِلافِ الأحْوالِ والأعْرافِ، وما دامَ المُسْلِمُ لا يَهْجُرُ أقارِبَه ويَصِلُهُم ولَوْ بِالسَّلامِ فَلا يُعَدُّ قاطِعاً.
ولِلْصِّلَةِ دَرَجاتٌ بَعْضُها أرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ، وأدْناها تَرْكُ المُهاجَرَةِ وصِلَتُها بِالْكَلامِ ولَوْ بِالْسَّلامِ، ويَخْتلِفُ ذلك بِاخْتِلافِ القُدْرةِ والحاجةِ، فَمِنْها واجِبٌ، ومِنْها مُسْتَحَبٌّ، ولَوْ وَصَلَ بَعْضَ الصِّلَةِ ولَمْ يَصِلْ غايَتَها لا يُسَمَّى قاطِعاً، ولَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ويَنْبَغِي لَهُ أنْ يَفْعَلَهُ لا يُسَمَّى واصِلاً، بِاخْتِصارٍ: هُوَ إيْصالُ ما أمْكَنَ مِنَ الخَيْرِ ودَفْعُ ما أمْكَنَ مِنَ الشَّرِّ.
وصِلَةُ الرَّحِمِ تَحْصُلُ بِأُمُوْرٍ مُتَعَدِّدةٍ، مِنْها:
1. الإنْفاقُ عَلَيْهِم إنْ يَكُوْنُوْا فُقَراءَ وأنْتَ قادِرٌ عَلى ذَلِكَ، فَتُواسِيْهِم بِشَيْءٍ مِنْ مالِكَ؛ لِتَدْفَعَ حاجاتِهم وتَقْضِيَ مَهَمّاتِهم.
2. تَفْرِيْجُ هُمُوْمِهم وقَضاءُ حوائِجِهم.
3. زِيارَتُهُم والبَشاشَةُ فِي وُجُوْهِهم إنْ لَقِيْتَهُم وتُعاهِدُهم بِذلكَ.
4. أنْ تَتَحَسَّسَ مَشاكِلَهم وتَنْظُرَ حاجاتِهم وتَعْتَنِيَ بِهِم، فَذاكَ صِلَةٌ يَنْفَعُكَ اللهُ بِها فِي دُنْياكَ وآخِرَتِكَ.
5. أنْ تَصْبِرَ عَلى أذاهُم، وألّا تُقابِلَ إساءَتَهم بِالْإساءَةِ، وإنَّما تُقابِلُ إساءَتَهم بِالْعَفْوِ والصَّفْحِ والتَّحَمُّلِ.
6. أنْ تَجْتَنِبَ المُخاصَمَةَ مَعَهُم والنِّزاعَ مَعَهم، وتَبْتَعِدَ عَنْ كُلِّ ما تَظُنُّهُ يُثِيْرُ المَشاكِلَ بَيْنَكَ وبَيْنَهم حَتَّى يَبْقى الوُدُّ بَيْنَكم، وتَتَوارَثُوا تِلْكُم الأخْلاقَ الكَرِيْمةَ الفاضِلَةَ.
7. زِيارَتُهم، والإهْداءُ إلَيْهم، والسُّؤَالُ عَنْهُم، وتَفَقُّدُ أحْوَالِهم، والتَّصَدُّقُ عَلى فَقِيْرِهم والتَّلَطُّفُ مَعَ غَنِيِّهم، واحْتِرامُ كَبِيْرِهم.
8. عِيادَةُ المَرِيْضِ.
9. الإنْفاقُ عَلى المُعْسِرِيْنَ.
10. التَّهْنِئَةُ بِالأَعْيادِ.
11. تَمْيِيْزُهُم عَلى غَيْرِهم فِي الصَّدَقاتِ الواجِبَةِ والصَّدَقاتِ التَّطَوُّعِيّةِ.
12. تَمْيِيْزُهُم فِي التَّوْجِيْهِ والتَّعْلِيْمِ.
13. تَمْيِيْزُهُم عَلى غَيْرِهِم فِي الجِيْرَةِ.
14. تَمْيِيْزُهُم عَلى غَيْرِهِم فِي تَحَمُّلِ الأَذَى.
15. مُوَالاتُهُم ومَحَبَّتُهُم أكْثَرَ مِنْ غَيْرِهم؛ لِأَجْلِ قَرابَتِهم، وإيثارُهُم فِي الإحْسانِ والصَّدَقةِ والهَدِيّةِ عَلى مَنْ سِواهم.
16. وكَذَلِكَ يَكُوْنُ الوَصْلُ بِالمُعامَلَةِ نَحْو: السَّلامِ، وطَلاقَةِ الوَجْهِ، والبَشاشَةِ.
17. والمُبادَرَةُ إلى صُلْحِهم عِنْدَ مُخاصَمَتِهم.
18. وتَكُوْنُ بِاسْتِضافَتِهم، وحُسْنِ اسْتِقْبالِهم، ومُشاركَتِهم فِي أفْراحِهم ومُواساتِهم فِي أحْزانِهم.
19. كَما تَكُوْنُ بِالدُّعاءِ لَهُمْ وسَلامَةِ الصَّدْرِ نَحْوَهم، وإجابَةِ دَعْوَتِهم، وعِيادَةِ مَرْضاهُم.
20. كَما تَكُوْنُ بِدَعْوَتِهم إلى الهُدَى، وأمْرِهم بِالْمَعْرُوْفِ ونَهْيِهِم عَن المُنْكَرِ، وتَكُوْنُ بِالمالِ والعَوْنِ عَلى الحاجةِ وبِدَفْعِ الضَّرَرِ.