
جَمِيلٌ أَنْ يَعِيشَ الإِنْسانُ مَعَ الإِنْسانِ يَتَقاسَمُ مَعَهُ نَفْسَ الشُّعُورِ فَرَحاً وَتَرَحاً، وَمُبْتَغاهُ رِضْوانُ اللهِ وَالفَوْزُ بِما عِنْدَهُ، وَفِي الحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَهَكَذا المُسْلِمُ الحَقُّ لا يَتْرُكُ أَخاهُ فِيما يُؤْذِيهِ وَلا مَعَ مَنْ يُؤْذِيهِ، بَلْ يَنْصُرُهُ وَيُدافِعُ عَنْهُ، وَلا يُسْلِمُهُ فِي مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ، بَلْ يُسارِعُ إِلَيْهِ لِإِنْقاذِهِ مِمَّا حَلَّ بِهِ وَأَلَمَّ، أَمَا قالَ اللهُ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحُجُرات:10]؟
يَقُولُ الشَّاعِرُ: كُونُوا كَجِسْمٍ واحِدٍ إنْ تَأَلَّمَتْ *** لَهُ شَعْرَةٌ تَلْقَى الجَمِيعَ تَأَلَّمَا.
إنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَنْفَعُهُم لِلْنَّاسِ، يَتَفَقَّدُهُم وَيَسُدُّ حاجَتَهُم، وَيُعطِيهِم مِنْ مالِ اللهِ الذِي آتاهُ وَاسْتَخْلَفَهُ فِيهِ، وَقَدْ جاءَ فِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَمَنْ تَخاذَلَ عَنْ نُصْرَةِ أَخِيهِ فَاللهُ لَهُ بِالْمِرْصادِ يَخْذُلُهُ، وَما مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، قال اللهُ تَعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:272].
وَيا لِرَوْعَةِ الأَشْعَرِيِّينَ، وَجَمالِ خُلُقِهِم، وَقُوَّةِ تَرابُطِهِم، وَحُسْنِ مَعْشَرِهِم، وَطِيبِ مَنْزِلِهِم، فَقَدْ كَانُوا يَتَقاسَمُونَ طَعامَهُمْ بَيْنَهُم بِالْسَّوِيَّةِ إِذا قارَبَ عَلى النَّفادِ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ»، وَأَيُّ شَرَفٍ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُولَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».
وَنَحْنُ فِي بِلادِنا العَزِيزَةِ المِعْطاءَةِ -فَكَّ اللهُ حِصارَها- بِحاجَةٍ ماسَّةٍ إلى هَذِهِ الأَخْلاقِ الرَّفِيعَةِ، وَالسِّماتِ النَّبِيلَةِ، وَتَرابُطِ الصَّفِّ، فَكُلٌّ مِنَّا يَجُودُ بِما جادَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ، فَيا تُجَّارَنا الأَكارِمَ وَيا أَصْحابَ الأَمْوالِ: اُبْذُلوا الدِّرْهَمَ وَالدِّينارَ وَالقِنْطارَ، وَامْحُوا العارَ، وَانْفُضُوا الغُبارَ، وَمَنْ خَذَلَ أَخاهُ خَذَلَهُ الواحِدُ القَهَّارُ.
إنَّ النُّورَ الذِي أَشْرَقَ فِي صَدْرِ عُثْمانَ بْنِ عَفَّانٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَخَرَجَ مِنْ مالِهِ لِتَجْهِيزِ جَيْشِ العُسْرَةِ لَغَيْرُ غَرِيبٍ أَنْ يُشْرِقَ اليَوْمَ فِي نُفُوسٍ أَبِيَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَها؟ إِنَّها عاصِفَةٌ، فَهَيَّا أَقِيمُوا دُونَها سَدَّاً مَنِيعاً وَصُرُوحاً.
وَمَنْ ضَنَّ بِمَعْرُوفٍ عَدَدْناهُ مِنَ المَوْتَى، وَكانَتْ راحةٌ مِنْهُ وَمِنْ سَوْفَ وَمِنْ حَتَّى، قالَ تَعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد:38].