
إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى الحُسْنَى: الرَّزَّاقَ، قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذَّارِيات:58]، وَقَالَ تَعَالى أيضًا: ﴿اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ﴾ [الرَّعْد:26]، قَالَ تَعَالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العَنْكَبُوت:60]، لَقَدْ خَلَقَ اللهُ عِبَادَهُ وَرَزَقَهُمْ فَلَمْ يَنْسَ مِنْهُمْ أَحَداً، رَزَقَ الطَّيْرَ فِي الهَوَاءِ، وَرَزَقَ الحُوتَ فِي المَاءِ، وَرَزَقَ الحَيَّةَ فِي العَرَاءِ، وَرَزَقَ الوُحُوشَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَرَزَقَ الدُّودَ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، وَرَزَقَ النَّمْلَةَ الصَّغِيرَةَ السَّوْدَاءَ.
وَرِزْقُ اللهِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأَوَّلُ: الرِّزْقُ العَامُّ، وَهُوَ يَشْمَلُ البَرَّ وَالفَاجِرَ وَالمُسْلِمَ وَالكَافِرَ وَكُلَّ دَابَّةٍ، وَهَذَا رِزْقُ الأَبْدَانِ، قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾ [هُود:6]، فَقَدْ تَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِقُوتِهَا وَمَا يُقِيمُ صُلْبَها، وَيَسَّرَ لَهَا أَسْبَابَ الرِّزْقِ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العَنْكَبُوت:60]، وَقَدْ اسْتَنْكَرَ اللهُ عِبَادَةَ الكُفَّارِ مَنْ لَا يَرْزُقُهُمْ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النَّحْل:73].
الثَّانِي: الرِّزْقُ الخَاصُّ؛ فَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الدِّينُ مِنَ العِلْمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ وَالرِّزْقِ الحَلَالِ المُعِينِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَيَا مَنِ اخْتَرْتَ فِلَسْطِينَ سَكَنًا وَمَوْطِنًا، أَتَخْشَى عَلَى رِزْقِكَ، اصْبِرْ وَصَابِرْ وَرَابِطْ، أَتَغْفُلُ أَنَّكَ فِي أَرْضِ الرِّبَاطِ؟، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمُ الرِّبَاطُ وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلَانُ« [رواه الطبراني]، أَمْ أَتَدْرِ أَنَّكَ فِي الصَّفْوَةِ؟؛ وَأَهْلُ الصَّفْوَةِ يُبْتَلُونَ وَيُمَحَّصُونَ مَا لَا يُبْتَلَى وَيُمَحَّصُ غَيْرُهُمْ، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَفْوَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ الشَّامُ، وَفِيهَا صَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ، وَلَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي ثُلَّةٌ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ» [رواه الطبراني].
يَا مَنِ اخْتَرْتَ سَاحِلاً مِنْ سَوَاحِلِ الشَّامِ، أَبْشِرْ فَإِنَّكَ لَنْ تُضَيَّعَ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ الأَزْدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيُسْقَ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» [رواه أبو داود]، قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: مَنْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةَ عَلَيْهِ.
فَلَا تَقْلَقْ وَلَا تَخَفْ عَلَى رِزْقِكَ فِي أَرْضِ البَرَكَةِ وَالخَيْرِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأَنْبِياء:71]، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: "كَانَا بِأَرْضِ العِرَاقِ، فَأُنْجِيَا إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، وَكَانَ يُقَالُ: الشَّامُ عِمَادُ دَارِ الهِجْرَةِ، وَمَا نُقِصَ مِنَ الأَرْضِ زِيدَ فِي الشَّامِ، وَمَا نُقِصَ مِنَ الشَّامِ زِيدَ فِي فِلَسْطِينَ، وَكَانَ يُقَالُ: هِيَ أَرْضُ المَحْشَرِ وَالمَنْشَرِ، وَفِيهَا يَنْزِلُ عَيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَبِهَا يُهْلِكُ اللهُ شَيْخَ الضَّلَالَةِ الكَذَّابَ الدَّجَّالَ".
فَيَا أَهْلَ فِلَسْطِينَ، ثِقُوا بِرَبِّكُمْ وَأياسْتَمْطِرُوا الرِّزْقَ مِنَ الرَّزَّاقِ بِوَسَائِلِهِ التِي بَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَخُذُوا بِأَسْبَابِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.