شريط الأخبار

البُعْدُ الدِّيْنِيُّ والنَّفْسِيُّ والاجْتِماعِيُّ لِإِعْلانِ الجَرائِمِ وَنَشْرِها

أ. أحمد عليان عيد - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2616

فِي ظِلِّ ما نُشاهِدُهُ مِن انفِجارٍ إعْلامِيٍّ وَتِقَنِيٍّ مِنَ التكنولوجيا المُتَقَدِّمَةِ وَوَسائلِ التواصُلِ الاجْتماعِيِّ والإِعْلامِ والقَنواتِ الفَضائِيَّةِ والشَبَكاتِ العَنْكَبوتِيَّةِ والانْتِشارِ الواضِحِ لِلْأَجْهِزَةِ التِّقَنِيَّةِ ومَعْرِفَةِ التَّعامُلِ مَعَها وَوُصُولِها إلى مُتَناوَلِ الجَميعِ مِنْ صِغارٍ وكِبارٍ ساهَمَ فِي الحُصولِ عَلى آخِرِ الأَخْبارِ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ.

فَمَنِ المَسْئُولُ عَنْ بَثِّ الرُّعْبِ والخَوْفِ والقَلَقِ (لَدَى الأَبْناءِ خاصَّةً وَالأُسَرِ عامَّةً)، ونَشْرِ مِثْلِ هَذهِ الجَرائِمِ التي يَتَسابَقُ فِي إعْلانِها الجَميعُ مِنْ قَتْلِ الأَبِ لِلْأَبْناءِ أَوْ قَتْلِ الأَبِ لِزَوْجَتِهِ أو أَطْفالِه وغَيْرِها مِنَ الجَرائِمِ؟!.

فَلِذَلكَ لَوْ تَأَمَّلْنا هذه الآيةَ الكَرِيمةَ التي تُوَضِّحُ مِثْلَ هذا الأَمْرَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83]، وَنَجِدُ أَنَّ هذه الآيةَ شَملت الإِنْكارَ عَلى مَنْ يُبادِرُ إلى الأُمورِ قَبْلَ تَحَقُّقِها فَيُخْبِرُ بِها ويُفْشِيْها وَيَنْشُرُها، وَقَدْ لَاْ يَكونُ لَها صِحَّةٌ.

فَلَاْ بُدَّ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الإعْلانَ عَنِ الجَرائمِ لَهُ بُعْدٌ نَفْسِيٌّ سَلْبِيٌّ وَخَطيرٌ عَلى الأُسْرَةِ والمُجْتمَعِ؛ لِأَنَّ الأُسْرةَ هِيَ المَكانُ الآمِنُ لِحِفْظِ النَّفْسِ، والسَّلامةِ مِنَ الشُّرورِ وَكَفِّها عَنِ النَّاسِ، وَهِيَ المَلْجَأُ الشَّرْعِيُّ عِنْدَ الفِتْنَةِ.

فَالآباءُ هُمُ الحِصْنُ الطَّبيعِيُّ الذي يَتَوَلَّى حِمايةَ البَراعِمِ النَّاشِئَةِ وَرِعايَتِها، وَفِي كَنَفِهم يَتَلَقَّوْنَ مَشاعِرَ الحُبِّ والرَّحْمَةِ والتَّكافُلِ وَنَجِدُ أنَّ الإسلامَ أقامَ نِظاماً لِلأُسْرَةِ عَلى أَساسٍ ثابِتٍ دَقيقٍ مُسْتَمَدٍّ مِنَ الواقِعِ؛ فَهُوَ يَقومُ عَلى أَمْتَنِ الرَّوابِطِ، وَعَلى أَقْوَمِ الدَّعائِمِ، فِي أَسْمَى ما يَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ البَشَرُ، فإذا التَزَموا بِهِ وَساروا عَلى هَدْيِهِ استقرَّتْ أُمُورُهُم وسُعِدُوا، وعاشُوا فِي أَمْنٍ وَأَمانٍ.

لَكِنَّ الواقِعَ وَالشَّواهِدَ وَالأَرْقامَ تُؤَكِّدُ -وَلِلْأَسَفِ- عَلى وُجودِ بِداياتٍ خَطيرةٍ مِنَ التَّفَكُّكِ والانْهِيارِ الأُسَرِيِّ فِي مُجْتَمَعاتِنا الإسْلامِيَّةِ وَخاصَّةً فِي ظِلِّ الظُّروفِ الصَّعْبَةِ التي نَعيشُها مُنْذُ عِدَّةِ عُقودٍ فَرَضَتْها عَلَيْنا قُوَّةُ العُدْوانِ الخارِجِيِّ والدَّاخِلِيِّ، وكان مِنْ نَتائِجِ هذه الظُّروفِ أَنَّ هُناكَ آثاراً سَلْبِيَّةً تَعَرَّضَتْ لَها الأُسْرَةُ، فانْتَشَرَتْ مِثْلُ هذه الجَرائِمِ وَنَتَجَ عَنْها وَعَنْ إِعْلانِها لِلْعامَّةِ مُشْكِلاتٌ وَضُغوطاتٌ يَتَعَرَّضُ لَها الأَطْفالُ عَلى وَجْهِ الخُصوصِ مِثْل التَّأَخُّرِ الدِّراسِيِّ ومُشْكِلاتِ الأَرَقِ، والكَوابيسِ اللَّيْلِيَّةِ والتَّبَوُّلِ اللاإرادِيِّ، والاكْتِئابِ؛ وذلك لِعَدَمِ شُعورِهم بِالأَمانِ مِنَ النَّاحِيَةِ النَّفْسِيَّةِ والاجْتِماعِيَّةِ، وهذا عِنْدَما نَجِدُ أَنَّ البَعْضَ لَاْ يَسْتَطيعُ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ أَبْنائِهِ دُوْنَ أَنْ يَكونَ الحَديثُ أَمامَ الجَميعِ عَنْ قَتْلِ الأَبِ لِأَبْنائِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ دُوْنَ مُراعاةِ أَنَّ هُناكَ أَطْفالاً تَسْمَعُ وَيُصْبِحُ لَدَيْهِمُ اهْتِزازٌ لِمَصْدَرِ الأَمانِ كَالأَبِ وَالأُسْرَةِ، وَتَجِدُ أَنَّ بَعْضَ الأَطْفالِ يُخاطِبُ أَباهُ بِكُلِّ بَراءةٍ قائلاً: مُمْكِنٌ أَنْ تَقْتُلَنا يا أَبِيْ مِثْلَما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ؟! أَوْ تَقْتُلَ أُمِّي؟! فَكَيْفَ لَنا فِي هذهِ الأَجْواءِ أَنْ نَبْحَثَ عَنِ السَّعادةِ وَالأَمْنِ والأمانِ؟! وَكَيْفَ لِلْأُسْرَةِ أَنْ تَعيشَ مَعَ ما حَدَثَ مِنْ ظُروفٍ مَليئةٍ بِالْذِّكْرَياتِ الأَليمةِ والحزينة؟!

لَاْ شَكِّ أَنَّ الإيمانَ باللهِ والتَّوَكُّلَ عَلَيْه يَمُدُّنا بِالقُوَّةِ التي تُساعِدُنا عَلى مُواجَهةِ العَقَباتِ وَتَخَطِّيْها، فَقَدْ صَدَقَ اللهُ إِذْ يَقولُ: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح:6]، وما مِنْ شَكٍّ فِي أَنَّ الطَّريقَ الذي سَلَكَهُ الأَنْبِياءُ والرُّسُلُ يُوصِلُ إلى مَرْضاةِ اللهِ وجَنَّتِهِ، فَأُولَئِكَ الذِيْنَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُم يَقْتَدي كُلُّ السَّائِرينَ إلى مَرْضاةِ رَبِّ العالَمينَ، وَقَدْ كانَ مِنْ هُداه إِلَيْهم أَنْ هَداهُم إِلَى مَهَمَّةٍ عَظيمةٍ، وَهِيَ المَسْؤُولِيَّةُ والتَّفاؤُلُ والشُّعورُ بِالأَمانِ.

فَفِي الحَديثِ الذي رواه البُخارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقولُ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [رواه البخاري].  

وَتَبْدَأُ مَسْئُولِيَّةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي هذه الحَياةِ مُنْذُ بُلوغِ سِنِّ التَّكْليفِ وتَنْتَهي بِمُفارَقَتِه لِها، وَكُلُّ فَرْدٍ لَهُ رَعِيَّةٌ يَرْعاها -وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَوْقِعِهِ فِيْها، فِي القِمَّةِ أَمْ فِي القاعِ وَسَواءً كان رَجُلاً أَو امْرَأةً- فَإِنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ حِمايةِ صِحَّتِها النَّفْسِيَّةِ وشُعورِها بِالأَمْنِ وَالأَمانِ.

مقالات مشابهة

لِمَاذَا نَدْعُو اللهَ وَلَا يَسْتَجِيبُ لَنَا؟

منذ 1دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الخَوْفُ مِنَ اللهِ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ

منذ 2 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

إنَّما جُعِلَ الصِّيامُ مِنَ أجْلِ الإنْسانِ!!

منذ 4 دقيقة

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

البُعْدُ الدِّيْنِيُّ والنَّفْسِيُّ والاجْتِماعِيُّ لِإِعْلانِ الجَرائِمِ وَنَشْرِها

منذ 0 ثانية2616
لِمَاذَا نَدْعُو اللهَ وَلَا يَسْتَجِيبُ لَنَا؟

منذ 1دقيقة17137
مسجد الإصلاح – حي الشجاعية

منذ 1دقيقة5219
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi