شريط الأخبار

الدُّرُوْسُ المُسْتَفادَةُ مِنْ عِتابِ نُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فِي ابْنِهِ

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2872

جاءَ عِتابُ النَّبِيِّ نُوْحٍ عِنْدَما تَوجَّهَ بِالنِّداءِ لِرَبِّهِ فِي مَوْضُوعِ ابْنِهِ، وذَلكَ فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود: 45- 47].

النِّداءُ هُنا نِداءُ دُعاءٍ، فَكَأَنَّه قِيْل: ودَعا نُوْحٌ ربَّه؛ لأنَّ الدُّعاءَ يُصَدَّرُ بِالنِّداءِ غَالِباً، وسَبَبُ العِتابِ مَنَ اللهِ تَعالى لِنُوْحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيْها العَدِيْدُ مِنَ الآراءِ، ويُعَزِّزُ تَعَدُّدَها تَعَدُّدُ القِراءاتِ؛ فقراءة الكِسائيِّ ويَعْقُوْبَ بِصِيْغَةِ الفِعْلِ الماضي (عَمِلَ)، و(غيرَ) بالنَّصْبِ، بِتَقْدِيْرِ: عَمِلَ عَمَلاً غيرَ صالحٍ، والمرادُ أنّه كان كافِراً يَعْمَلُ عَمَلَ الكافِرِيْنَ، فَفِيْ هذه القراءةِ.. الضَّمِيْرُ فِيْها يَعُوْدُ عَلى ابْنِ نُوْحٍ، وفاعِلُ (عَمِلَ) ضَمِيْرٌ يَعُوْدُ عَلَيْه أيْضَاً، و(غيرَ) مَفْعُوْلٌ بِهِ، والكُفْرُ يَقْطَعُ الوِلايةَ بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ والكافِرِيْنَ مِنَ الأقْرَبِيْنَ.

وقِراءَةُ الجُمْهُوْرِ: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (عَمَلٌ) بِفَتْحِ المِيْمِ ورَفْعِ اللّامِ وتَنْوِيْنِهِ عَلى أنَّهُ اسْمٌ وعَلى أنَّه مُبالَغَةٌ فِيْ التَّشْبِيْهِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ، و(غَيْرُ) بِالرَّفْعِ، كأنَّهُ لِفَسادِهِ واجْتِنابِهِ لِلْصَّلاحِ والْتِزامِهِ العَمَلَ غيرَ الصّالِحِ نَفْسُ العَمَلِ، فَعَلى هذه القِراءةِ يَكونُ المَعْنى: إنَّ سُؤالَكَ إيَّايَ يا نُوْحُ فِي ابْنِكِ - المُخالِفِ دِيْنَك والمُوالِي أهْلَ الشِّرْكِ- وطلبَكَ لِنَجاتِهِ مِنَ الهَلاكِ، هُوَ عَمَلٌ غيرُ صالحٍ لا أرْضاهُ لَك، وما أَراهُ يَصِحُّ عَنْك.

فَنُوْحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ لَاْ يَجْهَلُ أنَّ ابْنَهُ كافِرٌ، ولِذلكَ فَسُؤالُ المَغْفِرَةِ لَهُ عَنْ عِلْمٍ بِأنَّهُ كافِرٌ، ولَكِنَّهُ يَطْمَعُ لَعَلَّ اللهَ يَعْفُوْ عَنْهُ لِأَجْلِ قَرابَتِهِ بِهِ، وهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّفاعَةِ لَهُ عِنْدَ اللهِ تَعالى، وذَلِكَ مِنْ دَواعِي الشَّفَقَةِ والرَّحْمَةِ بِابْنِهِ، فالمَقامُ هُنا مَقامُ تَضَرُّعٍ وسُؤالٍ، ولأنَّ طَلَبَه المَغْفِرَةَ لِابْنِهِ طلبٌ تَخْصِيْصُهُ مِنَ العُمُوْمِ الكافِرِ، كان نَهْيُهُ نَهْيَ لَوْمٍ وعِتابٍ، حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ رَبِّهِ جَوازُ ذَلك؛ أيْ بِأَنَّ اللهَ لَاْ يَغْفِرُ لِلْمُشْرِكِيْنَ فِي الآخِرَةِ، وكان قَوْلُهُ: (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، أيْ فَلا تَسْأَلْنِي ما عَلِمْتَ أنَّهُ لا يَقَعُ.

وفِيْ ذَلِكَ يَقُوْلُ سَيِّد قُطْب:" ولأَنَّ نُوْحاً دَعا دُعاءَ مَنْ يَسْتَنْجِزُ وَعْداً لا يَراهُ قَدْ تَحَقَّقَ، كان الرَّدُّ عَلَيْهِ يَحْمِلُ رائِحةَ التَّأْنِيْبِ والتَّهْدِيْدِ".

وأمّا الدُّرُوْسُ المُسْتَفادَةُ مِنْ ذَلِكَ، فَهِيَ:

1. فِي الحِوارِ المَحْكِيِّ بَيْنَ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ونُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ- بِشَأْنِ ابْنِهِ مَوْعِظَةٌ وعِبْرَةٌ بَلِيْغَةٌ؛ حَيْثُ يُقَرِّرُ أنّ قُرْبَى الدَّمِ -مَهْما كانَتْ قَوِيَّةً بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ وذَوِيْ أرْحامِهِم- لا يُمْكِنُ أنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ شَيْئاً إذا لَمْ يَكُوْنُوا مُؤْمِنِيْنَ.

2. الإيْمانُ والعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ المُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي تَثْبِيْتِ قِيْمَةِ المَرْءِ، وصَلاحِهِ أو فَسادِهِ، واسْتِحْقاقِهِ لِرِضَا اللهِ تَعالى أو نِقْمَتِهِ، وهَذهِ العِبْرَةُ وارِدَةٌ ومَمَثَّلَةٌ كَذَلِكَ فِي زَوْجَةِ لُوْطٍ وَوَاْلِدِ إبْراهِيْمَ عَلَيْهِما السَّلامُ.

3. هذا النَّهْيُ يَـدُلُّ عَلى أنَّهُ يُشْـترَطُ في الـدُّعاءِ أنْ يَكُوْنَ بِما هُـوَ جائِزٌ فِي شَرْعِ اللهِ وسُنَنِهِ فِيْ خَـلْقِــهِ، فَلا يُسْألُ تَعالى أنْ يُبْطِلَ تَشْرِيْعَهُ وتَقْدِيْرَهُ فِيْ خَلْقِهِ إجابَةً لِهَوَىً فِي النَّفْسِ، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ الوَعْظُ هُنا.

4. إنَّ المَغْرُوْرِيْنَ بِأَنْسابِهِمْ مِنَ الشُّرَفاءِ، الجاهِلِيْنَ بِكِتابِ رَبِّهِمْ وسُنَّةِ نَبِيِّهِم، عَلَيْهِم ألَّا يَعْتَمِدُوا عَلى ذَلِكَ، بَلْ عَلى أعْمالِهِمُ الصَّالِحَةِ.

5. الحَياةُ لَاْ تَكُوْنُ عَلى وَتِيْرَةٍ واحِدَةٍ، فَلا بُدَّ أنْ يَكُوْنَ فِيْها بَعْضُ الآلامِ والابْتِلاءاتِ، والمُؤْمِنُ مُبْتَلَىً، والقُدْوَةُ فِيْ ذَلِكَ الأنْبِياءُ.

مقالات مشابهة

المساجد والمنابر رسالة ومنهج  [3-1]

منذ 7 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الجهادُ بالمالِ قبلَ الجهادِ بالنفسِ

منذ 7 دقيقة

د. شادي حمزة طبازة - داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الدُّرُوْسُ المُسْتَفادَةُ مِنْ عِتابِ نُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فِي ابْنِهِ

منذ 0 ثانية2872
أيها المؤذن! إياك وتحمل الإثم

منذ 44 ثانية3109
جدد رمضانك!!

منذ 1دقيقة2774
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi