شريط الأخبار

الأعياد في الإسلام طُهْرٌ وتواصلٌ وأفراح

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين منذ 0 ثانية 3463

الأعياد: جمع عيد، وهو يوم الفرح والسرور والتواصل، يحتفل فيه الناس بذكرى كريمة أو مناسبة عظيمة. وسُمِّي عيداً؛ لأنه يعاود الناس ويرجع إليهم بعد كل حين، بذكريات تبعث في النفس الأمل، بما تحمله من عبَق التاريخ وأمجاد الماضي، لتندمج تطلعات الحاضر بآفاق المستقبل.

مراعاة الإسلام لحاجات الفطرة البشرية إلى الأعياد:

لكل أمة من الأمم أعياد تتجاوز فيها الجهد والتعب والعناء إلى الفرح والمسرور والرخاء، وهذه ظاهرة اجتماعية إنسانية عامة قديمة، ومطلب فطري تحتاج إليه النفوس؛ لتتروَّح من معاناة الحياة وأثقالها وهمومها التي تكاد لا تنقطع.

ولقد راعى الإسلام هذه الرغبات والمشاعر النفسية، والمستلزمات والمطالب الفطرية، فلم يحرِم أتباعه من هذه العادة الإنسانية الحقة، لكنه عمل على ضبطها وتهذيبها وتوجيهها إلى ما يتفق مع هديه القويم ومقاصده وقيمه السامية، وتعاليمه وتشريعاته الفاضلة، فشرع للمسلمين عيدين اثنين في كل عام هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وسنَّ فيهما مجموعة من السلوكيات والآداب والفضائل الاجتماعية والإنسانية، روى أبوداود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما فقال: »ما هذان اليومان؟« قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: »إن الله قد أبدلكم خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى« [رواه أبو داود].  

مناسبة عيدَيْ الفطر والأضحى لما قبلهما من الأحداث:

اختار الله تعالى يوم عيد الفطر وجعله في أنسب الأوقات والأيام وأكثرها مواءمة لما سبقه من أحداث؛ وذلك أنه جاء عقب أداء فريضة الصوم؛ ليكون عنوان القيام بشكر الله تعالى الذي وفق عباده وأعانهم على أداء الصوم، والتحكم الكامل في إراداتهم، ومغالبة نفوسهم، وتقييد حرياتهم في الامتناع عن المباحات من الطعام والشراب والشهوة الجنسية؛ وذلك استجابة لله، وطاعة له سبحانه، وطلباً لمرضاته، وتحقيقاً لمزيد من السمو الروحي والصفاء النفسي والانضباط السلوكي، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في نهاية آية الصوم بقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [البقرة:183].

وإن مما يدل على هذه المعاني الآنفة، ما رواه الطبراني في الكبير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطُرُق، فنادوا: يا معشر المسلمين، اُغْدُوا إلى رب كريم، يمنُّ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقٌمْتم، وأُمرتم بصيام النهار فصُمْتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلُّوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء: يوم الجائزة« [رواه الطبراني].

أما عيد الأضحى فقد جعله الله تعالى عقب فريضة الحج والتجمع الأكبر في عرفات، وذلك -بحق- هو الوقت الأنسب والأكثر موائمة؛ نظراً لما سبقه من تضحية في سبيل الله، بالمال، والوقت، والجهد، والسفر والارتحال والاغتراب، إلى الحج الأكبر في مكة وعرفات، وما قرب منهما من المشاعر المقدسة، وبهذا استحق يوم الأضحى أن يكون رمزاً ومَعْلَماً للقيام بشكر الله تعالى على توفيقه وتيسيره على عباده في أداء فريضة الحج، ومشاهدة مواطن تنزُّل الوحي، التي شع منها نور الإسلام فملأ الدنيا خيراً وسعادة وأمناً وسلاماً . 

وكان من كرم الله وفضله أنه لم يخصَّ الحجاج فقط بهذا العيد بل جعله لكل المسلمين؛ لأن هذه الجموع الحاشدة في الحج لا تعبِّر عن ذواتها فقط، بل تعبر عن إرادة جميع المسلمين في كل مكان، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وبلدانهم، وترمز إلى أمانيهم وآمالهم في المداومة على طاعة الله تعالى وامتثال أوامره؛ لذا كافأ الله تعالى جميع المسلمين بأن جعل العيد لهم جميعاً.

آدابُ الأعياد وسلوكياتُها وقِيَمُها:

شرع الإسلام في الأعياد مجموعةَ قيمٍ إنسانية وعدةَ مظاهر اجتماعية مستحسنة، ومن ذلك ما يلي:

1 ـ أن يغتسل المسلم، ويتطيب بأحسن ما عنده من أنواع الطيب: فإن الله تعالى طيب يحب الطيب، وهو أيضاً يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وبخاصة في هذه الأيام المجيدة المباركة، التي تزيد فيها لقاءات الناس واجتماعاتهم، ويكثر عندها تزاورهم واختلاط بعضهم ببعض، روى ابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى".

وثبت في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه دعا إلى التطيب يوم الجمعة؛ وما ذاك إلا مراعاة لهذا اليوم الجليل الذي يجتمع فيه الناس"، ولاشك في أن الأعياد تتضمن هذا المعنى الذي في يوم الجمعة بل وأكثر منه؛ لذا يتأكد في حق المسلم أن يبذل فيها مزيداً من الاهتمام بالطيب فضلاً عن نظافة الجسم، ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مواظباً على استعمال الطيب في عامة أحواله، وكان له سُكَّة: أيْ: زجاجة، يتطيب منها"، كما في سنن أبي داود.

2 ـ أن يلبس المسلم أحسن ما عنده من الثياب، ويُظهِر الزينة وحسن الهندام، ويتجمَّل لنفسه ولأهله وللآخرين من الناس بكل ما هو مباح ومشروع، روى البخاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشتري له جُبَّة نفيسة كانت تباع في السوق؛ وذلك ليلبسها ويتجمل بها في الأعياد، وحينما تأتيه الوفود.

وذكر ابن القيم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس أجمل ثيابه عند خروجه في العيدين، وكانت له حُلَّة نفيسة يلبسها في العيدين والجمعة.

وروي عن الحسن البصري أحد كبار التابعين أنه قال: "أُمرنا في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد".

3 ـ إظهار الفرح والسرور واللهو البريء: لا يخفى أن أفراح الأعياد عامة، تشمل الصغير والكبير، والغني والفقير، والرجل والمرأة؛ ومن هنا شرع الإسلام إظهار الفرح وإشاعة السرور وإعلان مظاهر الابتهاج والحبور بين الجميع بكل ما هو مباح وحلال، وقد أنكر على من حاول منع ذلك، روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليَّ أبو بكر في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعندي جاريتان من الأنصار تغنيان، وذلك في يوم عيد، فقال: أمزاميرُ الشيطان في بيت رسول الله! فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: »دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا« [رواه البخاري].

4 ـ تمكين الأولاد من اللعب واللهو المباح، وإعانتهم على ذلك بالهدايا والأُعْطيات التي تمكِّنهم من شراء حاجياتهم الطفولية، وتيسر لهم أسباب ذلك، إضافة إلى مشاركتهم في أفراحهم وسرورهم، وتوجيههم إلى السلوك الصحيح فيه.

وقد ذكر العلماء: أنه لا ينكر على الصبيان اللعب والفرح ونحو ذلك من مظاهر السعادة والابتهاج، وذلك لما للأعياد من طابع خاص يميزها عن سائر الأيام.

ولا شك في أن للآباء والأمهات والمربين دوراً عظيماً ومهماً في تعريف الأبناء بمكانة الأعياد ومقاصدها وآدابها الإسلامية والاجتماعية، وتوعيتهم بالأسلوب الأمثل للفرح والابتهاج، بعيداً عن العبث والإسراف وإيذاء الآخرين، أو إزعاجهم، أو الإضرار بالأنفس والممتلكات الخاصة والعامة.

كما ينبغي حث الأبناء، وبخاصة المراهقين، على التزام الآداب الإسلامية والعادات الاجتماعية السليمة، والتجافي عن احتقار الآخرين والاستهتار بمشاعرهم، أو تبذير المال أو إنفاقه في غير فائدة.

وينبغي التأكيد عليهم بالحرص على مصاحبة أصحاب الخلق الكريم، والابتعاد عن رفاق السوء، وبذل المعروف وتقديم الإعانة لمحتاجيها، والصبر على الآخرين ونصيحتهم وتصحيح سلوكهم الخاطئ بالكلمة الطيبة والفعل الحسن الجميل.

5ـ زيارة الأقرباء والجيران والأصدقاء واصطحاب الأولاد: ندب الإسلام إلى التزاور بين المسلمين وتبادل التهاني؛ توثيقاً لعرى العلاقات فيما بينهم، روى الحاكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى في الحديث القدسي: »حقَّت محبتي للمتواصلين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتزاورين فيَّ« [رواه الحاكم].

ولا بأس في تبادل عبارات التهاني وألفاظ التبريكات ونحوها من المجاملات الاجتماعية المحببة الحقة، قال محمد بن زياد: كنت مع أبي أُمامة الباهلي وغيره من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكانوا إذا رجعوا من صلاة العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنكم".

ومن المناسب اصطحاب الآباء والأمهات للبنين والبنات حال زيارة الأهل والأقرباء ونحوهم؛ وذلك للتعرف عليهم وتعزيز العلاقات فيما بينهم، وتبادل الأحاديث المفيدة معهم، وتقوية الروابط والوشائج الرحمية والاجتماعية، وتعويدهم على أصول الحديث مع الآخرين، وممارسة آداب المجالس معهم، واكتساب مزيد من المهارات المعرفية والسلوكية والاجتماعية والحياتية من تجارب الآخرين وأحاديثهم، فقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصطحبون أولادهم معهم إلى مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليتعلموا فيها أدب الحديث وتجارب الكبار، فضلاً عن أمور أخرى مفيدة لا تخلو منها مجالس الكبار الفضلاء الكرام.

6ـ تفقد الفقراء والمحتاجين من الأقرباء والجيران والناس الآخرين: دعا الإسلام إلى إعانة الفقراء والمساكين في مثل هذه المناسبات، ومما يدل على ذلك تشريعه لصدقة الفطر التي تسهم في رفع مستوى معيشة المحرومين وتساعدهم على تأمين احتياجاتهم من طعام ولباس وحلوى ونحو ذلك مما تعارف عليه الناس في هذه المناسبات، وفي هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الفقراء والمحرومين: »أغنوهم في هذا اليوم« [أخرجه الدار القطني]، أيْ: في يوم العيد.

وزيادة على ذلك فإن من المندوب في الأضاحي التي يذبحها المسلمون، والهدي الذي يتقرب به الحجاج، أن يقسم أثلاثاً: ثلثاً لصاحب الذبيحة يأكل منها ويدخر إن شاء، وثلثاً للأقرباء ونحوهم، وثلثاً للفقراء والمساكين. يطبخون ويأكلون ويفرحون في هذه الأيام السعيدة.

الخاتمة:

وهكذا نرى أن الأعياد في الإسلام تمثل فرصاً عظيمة لوداع الهموم والأحزان، ومناسبات جليلة لتحقيق مزيد من الفرح والسعادة، ومظاهر التراحم والتواصل الاجتماعي المادي والمعنوي، حيث يكون الجميع في سمو وتآلف وطهر ونقاء، وفي ظلال وارفة من القيم الإسلامية والفضائل الإنسانية والمظاهر السلوكية النبيلة، شاكرين الله تعالى على ما أولاهم من آلاء ونعم.

نسأل الله تعالى أن يجبر كسر المسلمين ويصلح حالهم.

مقالات مشابهة

الأعياد في الإسلام طُهْرٌ وتواصلٌ وأفراح

منذ 0 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الخطاب الدعوي بين العامة والخاصة

منذ 57 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

رفع الصوت بالأذان والإقامة

منذ 5 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الداعية بين اللين والشدة

منذ 7 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية - فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الأعياد في الإسلام طُهْرٌ وتواصلٌ وأفراح

منذ 0 ثانية3463
مسجد حطين - الرمال الشمالي

منذ 13 ثانية4708
الخطاب الدعوي بين العامة والخاصة

منذ 57 ثانية2759
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi