شريط الأخبار

التفكير فريضة إسلامية

الشيخ يوسف على فرحات – داعية إسلامي منذ 0 ثانية 3421

آثرت مع الجولة الأولي في هذه السلسلة أن أختار له هذا العنوان: (التفكير فريضة إسلامية) وهو عنوان كتاب ألفه الأستاذ عباس محمود العقاد -رحمه الله- وهو تعبير صحيح شرعاً، فإن الله كما أمرنا بالتعبد وإقامة الشعائر من الصلاة والزكاة، أمرنا بالتفكر، حيث جاء ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم سواء، باسم التفكر، أو النظر، أو الرؤية، لذلك قال بعض السلف كما نقل ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة": (تفكر ليلة خير من إحيائها، وقال آخر: تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة).

ومن المفيد بداية وقبل أن نُبين المقصود من "الفكر الإسلامي" أن نتعرف على معنى الفكر:

- يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته: "الفكر قُوةٌ مُطْرِقَةٌ للعلم إلى المَعُلوم والتفكرُ جَولانُ تلك القوة بحَسَب نَظرِ العقل وذلك للإنسان دون الحيوان ولا يُقالُ إلا في ما يُمكن أن يَحصلُ له صورة في القلب".

- وقال ابن منظور: "الفكر: إعمال الخاطر في الشيء".

- وعرَّفَّه حُجة الإسلام أبو حامد الغزالي، في إحياء علوم الدين: "إنه إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة، ومثاله: في ذلك أن من مال إلى العاجلة، وآثر الحياة الدنيا وأراد أن يعرف أن الآخرة أولى بالإيثار من العاجلة فعليه أولاً؛ أن يعرف أن الأبقى أولى بالإيثار، ثم يعرف ثانياً؛ أن الآخرة أبقى فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة وهي أن الآخرة أولى بالإيثار، ولا يُمكن أن تتحقق المعرفة بأن الآخرة أولى بالإيثار إلا بالمعرفتين السابقتين".

ونَخْلُص مما سبق أن الفكر يعني:

إمعان النظر والتأمل في الأشياء المعنوية والحسية من أجل الوصول إلى حقيقة هذه الأشياء، وهذا يقتضي أن الفكر هو حركة الذهن للانتقال من المعلوم إلى المجهول.

وإذا كان الفكر عبارة عن حركة عقلية يكتشف الإنسان عن طريقها القضايا المجهولة، فهذا يؤكد أن الإسلام إنما يدعو بذلك إلى العلم والمعرفة واكتشاف قوانين الفكر والمجتمع والطبيعة والحياة؛ لذا دعا الله -سبحانه وتعالى- الناس كافة إلى إمعان النظر والتأمل في الأشياء وإشغال العقل بالفكر، قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس:101].

وتجدر الإشارة أن الفعل "فكَّر" ورد مرة واحدة في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ [المدثر: 18]، كما ورد الفعل "يتفكرون" إحدى وعشرين مرة، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران:191]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد:3] وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس:24]، وفي كل ذلك دعوة صريحة ليفكرَ الإنسانُ فيما حوله، ويتخذ منه موقفاً ودليلاً على قدرة الله وحكمته.

"والفكر والتفكير من طبائع الإنسان ومزاياه التي يمتاز بها عن كثير من المخلوقات، وينشأ الفكر من تفاعل العقل الإنساني مع البيئة التي تحيط به بما فيها من أشياء، وما يجري عليها من أحداث وما يعيش عليها من إنسان وحيوان.

والفكر الإنساني كأي جهد بشري آخر معرض للصواب والخطأ قد يَضلُ عن طريقه، وقد يُصيب هدفه واحتمالات الخطأ أكثر من احتمالات الصواب؛ لأن الإنسان بطبعه ضعيف يعتريه النسيان، وقد يخضع لأنواع الشهوات والمغريات وقد تخلب فكره الحيل، وقد تُزيف الحقائق أمام ناظريه ولكي ينجو الإنسان من ضلال الفكر فلابد له من المعالم الهادية والدلائل المرشدة والبراهين الساطعة". [دراسات في الفكر العربي الإسلامي د/ إبراهيم زيد الكيلاني وزملاؤه ص10].

فالتفكير فريضة لعدة اعتبارات:

فهو كما يقول: أبو حامد الغزالي "المُفتاح للخيرات كلها، وهذا هو الذي يكشف لك فضيلة التفكر، وأنه خير من الذكر والتذكر لأن الفكرة ذكر وزيادة" [إحياء علوم الدين 5/83].

كما أن التفكر مرآة تُري الإنسان حسناته من سيئاته وصوابه من خطأه وبه يميز بين الحق والباطل والغث والسمين.

وبالتفكير يقف المسلم على مقاصد الأحكام، فيكون ذلك أدعى للتفاعل مع العمل، لذا قيل: الفكرة مخ العمل، وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: "التفكر في الخير يدعو إلى العمل به"، وقال وهب بن منبه: "ما طالت فكرة أحد قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل"، وقال الإمام الشافعي: "استعينوا على الكلام بالصمت، وعلى الاستنباط بالفكر".

وبالتفكر يقف الإنسان على عظمة الله ويقدره حق قدره ومن ثم يستحي أن يعصيه، لذا يقول بشر بن الحارث: "لو فكر الناس في عظمة الله ما عصوه". [ذكر هذه الآثار أبو حامد الغزالي في كتاب (التفكر) من الإحياء].

ويسمى التفكر: تذكُّراً، لأنه إحضار للعلم الذي تجب مراعاته بعد ذهوله وغيبته عنه ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف:201]، والتذكر من عمليات العقل العليا، والفرق بينه وبين التفكر: أن التفكر يعمل لتحصيل معرفة جديدة، والتذكر يعمل لجلب معرفة قديمة، ذهل عنها أو غشيتها الغفلة والنسيان، والغفلة شر داء يصيب الإنسان فيُذهله عن الحقائق الكبيرة والمهمات الخطيرة، حتى ينساها تماماً، وكأنه لا يعرفها، أو لا يعلم عنها شيئاً، وفائدة التذكر أو التذكار: تكرار المعارف على القلب، واسترجاع ما فات منها بالذهول والنسيان والغفلة، لترسخ ولا تنمحي عن القلب. وفائدة التفكر: تكثير العلم، واستجلاب معرفة ليست حاصلة من قبل.

ويسمى التفكر أيضاً: نظراً، لأنه التفات بالقلب إلى المنظور فيه، ويسمى أيضاً تأملاً، لأنه مراجعة للنظر كرة بعد كرة حتى يتجلى له وينكشف لقلبه، ويسمى اعتباراً لأنه يعبر منه إلى غيره، فيعبر من هذا الذي قد فكَّر فيه إلى معرفة ثالثة، ويسمى تدبُّراً، لأنه نظر في أدبار الأمور وهي أواخرها وعواقبها، ويسمى استبصاراً، وهو تبين الأمر وانكشافه وتجلِّيه للبصيرة.

لهذا كله كانت هذه السلسلة (جولات في الفكر الإسلامي)، نناقش فيها قضايا الفكر الإسلامي، ولاسيما المعاصر منها، سائلاً المولى عز وجل أن يكون فيه إثراءً للعقل المسلم.

مقالات مشابهة

التفكير فريضة إسلامية

منذ 0 ثانية

الشيخ يوسف على فرحات – داعية إسلامي

ضوابط تجديد الفكر الإسلامي

منذ 5 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

أثر الذنوب على القلوب

منذ 16 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ

منذ 20 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

التفكير فريضة إسلامية

منذ 0 ثانية3421
نُصْرَةُ أَسْرَانَا وَفِكَاكُهُمْ مِنْ أَوْجَبِ الفَرَائِضِ

منذ 59 ثانية5905
إنَّما جُعِلَ الصِّيامُ مِنَ أجْلِ الإنْسانِ!!

منذ 2 دقيقة2632
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi