فَرَضَ اللهُ الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِ المُؤْمِنِينَ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُعْطَى لِفُقَرَائِهِمْ، وَجَعَلَهَا رُكْناً مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ الخَمْسَةِ العِظَامِ، وَقَرَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي عَشَرَاتِ الآيَاتِ؛ تَأْكِيدَاً عَلَى وُجُوبِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا، وَمَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَانَ كَافِراً خَارِجاً عَنْ مِلَّةِ الإِسْلَامِ، أَمَّا مَنْ مَنَعَهَا بُخْلاً وَشُحًّا فَهُوَ فَاسِقٌ آثِمٌ، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْراً فِي الدُّنْيَا، وَيَنَالُهُ شَدِيدُ العِقَابِ فِي الآخِرَةِ، وَحَسْبُهُ فِي الوَعِيدِ قَوْلُ اللهِ تَعَالى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: ﴿وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التَّوْبة:34-35].
وَالزَّكَاةُ فِي الإِسْلَامِ قِسْمَانِ: زَكَاةُ الأَبْدَانِ، وَزَكَاةُ الأَمْوَالِ:
أَمَّا زَكَاةُ البَدَنِ: فَهِيَ زَكَاةُ الفِطْرِ، وَتُسَمَّى صَدَقَةَ الفِطْرِ أَوِ الفِطْرَةِ، وَهِيَ زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَشْخَاصِ، وَلِذَلِكَ يُخْرِجُهَا المُسْلِمُ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ فِي مَالِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا امْتِلَاكُ نِصَابِ الزَّكَاةِ، بَلْ يُخْرِجُهَا الغَنِيُّ وَالفَقِيرُ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ زَائِدًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لَيْلَةَ العِيدِ وَيَوْمَهُ.
أَمَّا زَكَاةُ المَالِ: فَهِيَ الزَّكَاةُ الوَاجِبَةُ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ، وَشَرْطُهَا مَلْكُ النِّصَابِ، وَتَجِبُ زَكَاةُ المَالِ فِي أَصْنَافٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ المَالِ، المُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْهَا خَمْسَةٌ هِيَ: الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ، وَيَلْحَقُ بِهَا سَائِرُ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ وَالعُمْلَاتِ المُتَدَاوَلَةِ، وَالأَنْعَامِ السَّائِمَةِ، أَيْ الرَّاعِيَةِ غَيْرِ المَعْلُوفَةِ، مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَكَذَلِكَ عُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَالمَعَادِنُ وَالرِّكَازُ، وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ.
إِنَّ الزَّكَاةَ تُطَهِّرُ نَفْسَ الغَنِيِّ وَمَالَهُ، وَتُطَهِّرُ نَفْسَ الفَقِيرِ كَذَلِكَ:
أَمَّا الغَنِيُّ: فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُطَهِّرُ نَفْسَهُ مِنَ البُخْلِ وَالشُّحِّ، وَتُطَهِّرُ مَالَهُ مِنْ حَقِّ الفُقَرَاءِ الّذِي فَرَضَهُ اللهُ، فَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ مِنَّةً مِنَ الغَنِيِّ عَلَى الفَقِيرِ، بَلْ هِيَ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلْسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذَّارِيات:19].
وَأَمَّا الفَقِيرُ: فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُطَهِّرُ نَفْسَهُ مِنَ الحِقْدِ وَالحَسَدِ؛ ذَلِكَ أَنَّ قِيَامَ الأَغْنِيَاءِ بِوَاجِبِهِمْ فِي سَدِّ حَاجَةِ الفُقَرَاءِ، وَتَلَمُّسِ حَاجَاتِهِمْ يُقَلِّلُ مِنَ الفَجْوَةِ الطَّبَقِيَّةِ فِي المُجْتَمَعِ، وَيَنْشُرُ الأَمْنَ وَالوِئَامَ.
وَقَدْ حَدَّدَ القُرْآنُ الكَرِيمُ الأَصْنَافَ التِي يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَيْهَا، وَهِيَ مَحْصُورةٌ ثَمَانِيَةٌ وَرَدَتْ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالى: ﴿إِنَّمَا الْصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التَّوْبة:60].
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ، وَفِدْيَةِ صِيَامَهِ، وَكَفَّارَةَ يَمِينِهِ لِأُصُولِهِ؛ كَالأَبِ وَالأُمِّ، وَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، وَلَا لِلْفُرُوعِ؛ كَالْأَبْنَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ، وَلَوْ كَانُوا مِنَ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ مَتَى كَانَ غَنِيَّاً، وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونُوا تَحْتَ رِعَايَةِ صَاحِبِ المَالِ وَفِي كَنَفِهِ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِزَوْجِ ابْنَتِهِ الفَقِيرِ، وَكَذَلِكَ أَزْوَاجِ الأَخَوَاتِ، وَسَائِرِ الأَقَارِبِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الفُقَرَاءِ أَوِ المَسَاكِينِ، قَالَ المَاوِرْدِيُّ: "وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ كَفَّارَتَهُ، أَوْ زَكَاتَهُ إِلَى أَحَدٍ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ وَالِدَيْهِ، وَمِنْ مَوْلُودِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ إِلَى زَوْجَتِهِ" [الحَاوِي لِلْفَتَاوَى: 10/518].
وَعَلَيْهِ، فَالضَّابِطُ فِي جَوَازِ دَفْعِ زَكَاةِ الفِطْرِ وَزَكَاةِ المَالِ لِلْأَقَارِبِ أَمْرَانِ: أَنْ يَكُونُوا مِنَ الفُقَرَاءِ أَوِ المَسَاكِينِ، وَالثَّانِي: أَلَّا يَكُونُوا مِمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ فِي مَالِهِ، وِلِيَعْلَمْ المُزَكِّي أَنَّ أَقَارِبَهُ أَوْلَى النَّاسِ بِزَكَاتِهِ إِذَا تَحَقَّقَ فِيهِمْ هَذَانِ الشَّرْطَانِ؛ لِمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الْقُرْبَى اثْنَتَانِ: صِلَةٌ، وَصَدَقَةٌ» [رواه أحمد].