شريط الأخبار

ما هي مَكانَةُ الأَرْحَامِ والأَقَارِبِ فِي الدِّيْنِ؟

د. نمر أبو عون - خطيب بوزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2807

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْنا عِباداتٍ كَثِيْرةً، وأمَرَنا بِأَوَامِرَ وأوْجَبَ عَلَيْنا واجِباتٍ، فمِنْها ما يَتَعَلَّقُ بِالعَلاقَةِ بَيْنَنا وبَيْنَه عَـزَّ وجَلَّ، ومِنْها ما يَتَعَلَّقُ بِالْعَلاقَةِ بَيْنَنا وبَيْنَ باقِي المَخْلُوْقِيْنَ، وعَلى رَأْسِ هؤلاءِ المَخْلُوْقِيْنَ الأقارِبُ، وصِلَةُ الرَّحِمِ أمْرٌ عَظِيْمٌ، وقَدْ قالَ اللهُ سُـبْحانَه وتَعالى فِي كِتابِه العَزِيْزِ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

وأمّا قَطْعُ الرَّحِمِ فَكَبِيْرَةٌ عَظِيْمَةٌ، وهُوَ مِنَ الإفْسادِ فِي الأَرْضِ، قالَ تَعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد:22]، فَمِنَ الإفْسادِ فِي الأَرْضِ قَطْعُ ما أمَرَ اللهُ بِهِ أنْ يُوْصَلَ.

ومِنْ أهَمِّ عَلاماتِ تَماسُكِ المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ:

حِرْصُهُ عَلى تَنْمِيَةِ العَلاقاتِ الاجْتِماعِيّةِ، وتَقْوِيَةِ أواصِرِ الاجْتِماعِ الإنْسانِيِّ بَيْنَ أفْرادِهِ مِنْ خِلالِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وهذا ظاهِرٌ بِجَلاءٍ فِي تَشْرِيْعاتِ الأُسْرَةِ فِي الشَّرِيْعَةِ الإسْلامِيّةِ، وفِي آدابِها وأخْلاقِها، وكَذَلِكَ فِي كَثِيْرٍ مِنَ التَّشْرِيْعاتِ الأُخْرى التِي حَثَّ الشَّرْعُ عَلى أدائِها جَماعَةً وَسْطَ النَّاسِ؛ لِئَلَّا يَشْعُرَ الإنْسانُ بِالْعُزْلَةِ.

فَضائِلُ واصِلِ الرَّحِمِ وثَوابُهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ:

أكَّدَ اللهُ سُـبْحانَهُ وتَعالى عَلى صِلَةِ الأرْحامِ وأمَرَ بِها فِي مَواضِعَ كَثِيْرَةٍ مِنْ كِتابِهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الإسراء:26]، وجَعَلَ صِلةَ الرَّحِمِ لَها تَقْوَى بَعْدَ التَّقْوى مِنْه تَعالى، فَقالَ عَـزَّ وجَلَّ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ [النساء:1].

ومِنْ فَضائِلِ صِلَةِ الرَّحِمِ أنَّها سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوْبِ، ومِنْ أحَبِّ الأعْمالِ إلى اللهِ، وسَبَبٌ لِدُخُوْلِ الجَنَّةِ، والبُعْدِ عَن النَّارِ، وسَبَبٌ لِزِيادَةِ الرِّزْقِ وطُوْلِ العُمُرِ، وقَدْ وَعَدَ اللهُ ورَسُوْلُهُ واصِلَ الرَّحِمِ بِالْفَضْلِ العَظِيْمِ، والأَجْرِ الكَبِيْرِ، والثَّوابِ الجَزِيْلِ، مِنْ ذَلِكَ:

1. فَهُوَ مَوْصُوْلٌ بِاللهِ عَـزَّ وجَلَّ فِي الدُّنْيا والآخِرة، فعن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [مُحَمَّد:22]» [صَحِيْحُ البُخَارِيِّ].

2. يُبْسَطُ لَهُ فِي رِزْقِهِ ويُنْسَأُ لَهُ فِي أجَلِهِ، فَيُزادُ فِيْ عُمُرِه؛ بِسَبَبِ صِلَتِهِ رَحِمَهُ، وتَعْمُرُ دارُهُ ويُحِبُّهُ اللهُ ويُحِبُّهُ أهْلُهُ، وصِلَةُ الرَّحِمِ تَدْفَعُ عَنْ صاحِبِها مِيْتَةَ السُّوْءِ، حَيْثُ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [أخْرَجَه البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ]، وعَنْ عائِشَةَ مَرْفُوْعاً إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» [رَواه الإمامُ أحْمَدُ]، ولِأبِي يَعْلى مِنْ حَدِيْثٍ يَرْفَعُهُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الصَّدَقَةَ وَصِلَةَ الرَّحِمِ يَزِيدُ اللَّهُ بِهِمَا فِي الْعُمْرِ وَيَدْفَعُ بِهِمَا مَيْتَةَ السُّوءِ وَيَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمَا الْمَكْرُوهَ وَالْمَحْذُورَ».

ولا تَعارُضَ بَيْنَ هذه الأحادِيْثِ وبَيْنَ قَوْلِ اللهِ -عَـزَّ وجَلَّ-: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل:61]؛ لأنَّ هذه الزِّيادَةَ وهِيَ عَلى حَقِيْقَتِها بِالْنِّسْبَةِ إلى عِلْمِ المَلَكِ المُوَكَّلِ بِكِتابَةِ الأجَلِ، وشَقِيٌّ أمْ سَعِيْدٌ، أمَّا الآيةُ فهذا بِالْنِّسْبَةِ إلى عِلْمِ اللهِ -عَـزَّ وجَلَّ-، فعِلْمُ اللهِ لا زِيادةَ فِيْهِ ولا نُقْصانَ، ولَكِنَ يُوْحِي اللهُ لِلْمَلَكِ بأنَّ عُمُرَ فُلانٍ سِتُّوْنَ سَنَةً، وبِسَبَبِ صِلَتِهِ لِرَحِمِهِ يَبْلُغُ عُمُرُهُ ثَمانِيْنَ سَنَةً مَثَلاً، وهُوَ الذِي أشارَ إلَيْه رَبُّنا بِقَوْلِهِ: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرَّعْد:39]، ولِهذا لا داعِيَ لِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ مَعْناهُ الظَّاهِرِ بِأنَّ المُرادَ أنْ يُبارِكَ اللهُ فِي عُمُرِهِ، واللهُ أعْلَمُ.

3. صِلَةُ الرَّحِمِ سَبَبٌ مِنْ أسْبابِ دُخُوْلِ الجَنَّةِ مَعَ أوَّلِ الدَّاخِلِيْنَ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضِي اللهُ عَنْه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ» [أخْرَجَه البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ].

مقالات مشابهة

ما هي مَكانَةُ الأَرْحَامِ والأَقَارِبِ فِي الدِّيْنِ؟

منذ 0 ثانية

د. نمر أبو عون - خطيب بوزارة الأوقاف

التَّبَرُّجُ .. صِفَتُهُ وأسْبابُهُ وعِلاجُهُ

منذ 23 ثانية

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوَزارة الأوقاف

لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ!

منذ 2 دقيقة

أ. ياسر يوسف جاد الحق - خطيب بوَزارة الأوقاف

حَقُّنا الشَّرْعِيُّ فِي فِلَسْطِيْنَ

منذ 2 دقيقة

م. أحمد علي أبو العمرين - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

ما هي مَكانَةُ الأَرْحَامِ والأَقَارِبِ فِي الدِّيْنِ؟

منذ 0 ثانية2807
الكبر في حياة بعض المتدينين

منذ 20 ثانية3229
التَّبَرُّجُ .. صِفَتُهُ وأسْبابُهُ وعِلاجُهُ

منذ 23 ثانية5014
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi