
تَابَعْتُ كَثِيرًا مِنَ الأَحْدَاثِ التِي تَمُرُّ بِالْعَالَمِ، شَرْقًا وَغَرْبًا، فَلَمْ أَرَ مِثْلَ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا مُحَلِّلِينَ سِيَاسِيِّينَ مُنَظِّرِينَ، يَفْهَمُونَ فُي كُلِّ شَيْءٍ، وَيُفْتُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيَنْشُرُونَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهَذَا لِلْأَسَفِ يَنْطَبِقُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ الذِينَ لَهُمْ تَوَاجُدٌ وَحُضُورٌ عَلَى قَنَوَاتِ التَّوَاصُلِ، وَفِي صَدَارَةِ هَذِهِ الْقَنَوَاتِ وَالْأَدَوَاتِ: Face book.
قَضَايَا حَسَّاسَةٌ يَلْتَزِمُ فِيهَا أَصْحَابُهَا الصَّمْتَ، وَلَا يُحِبُّونَ أَنْ تُفْتَحَ حَتَّى يَتِمَّ اكْتِمَالُ بِنَائِهَا وَاشْتِدَادُ عُودِهَا، فَيَتَفَاجَأُ هَؤُلَاءِ المَسَاكِينُ بِأَنَّ الأَخْبَارَ مَعَ الرِّيَاحِ تَسَرَّبَتْ، وَالْأَنْبَاءُ مِنْ خِلَالِ الأَدْرَاجِ خَرَجَتْ، وَالاْتِّفَاقِيَّاتُ عَبْرَ العَصَافِيرِ زَغْرَدَتْ، فَتَفْشَلُ خُطُوَاتُهُمْ وَيَضِيعُ جُهْدُهُمْ وَتَقِفُ خُطَّتُهُمْ، وَلَا يَمْتَلِكُونَ سَاعَتَهَا إِلَّا قَوْلَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، وَالْأَدْهَى وَالْأَمَرُّ أَنَّ صَاحِبَ النَّشْرِ الأَلْمَعِيَّ الأَصْمَعِيَّ قَدْ فَرِحَ كَثِيرًا بِمَزِيدٍ مِنْ الـ Like، وَإِنْ تَكَرَّمُوا عَلَيْهِ يَقُومُونَ بِعَمَلِ Share.
فَلِأَجْلِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ تَفَاهَاتٍ سَخِيفَةٍ وَسَفَاهَاتٍ صِبْيَانِيَّةٍ تُنْشَرُ الأَسْرَارُ وَتُعْرَفُ الخَبَايَا وَيُكْشَفُ المَسْتُورُ مِنْ أَجْلِ حَشْدِ التَّفَاعُلَاتِ وَجَمْعِ الإِعْجَابَاتِ، وَأَصْحَابُ هَذِهِ الأَسْرَارِ وَالْخَبَايَا كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَى كَتْمِهَا وَطَيِّهَا، وَلَكِنَّهُمْ بَشَرٌ يُصِيبُونَ وَيُخْطِئُونَ، فَقَدْ يُبِيحُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَسْرَارِ إِلَى فُلَانٍ أَوْ عِلَّانٍ، إِمْعَانًا فِي رَفْعِ رُوحٍ مَعْنَوِيَّةٍ أَوْ تَنْشِيطِ هِمَّةٍ وَعَزِيمَةٍ وَإِرَادَةٍ، وَلَكِنَّهُ المِسْكِينُ يُبَادِرُ إِلَى إِشَاعَةِ مِثْلِ هَذِهِ الأَنْبَاءِ لِبَعْضِ جُلَسَائِهِ مُسْتَأْمِنًا إِيَّاهُمْ قَائِلًا: "هَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ لِلْنَّشْرِ" وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ وَكَأَنَّهُ يُوْصِيهِمْ بِالْعَكْسِ، فَمَا إِنْ يَنْتَهِي الْمَجْلِسُ حَتَّى يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا، إِلَى أَجْهِزَتِهِمْ يُوْفِضُونَ، يَتَسَابَقُونَ فِي أَيِّهُمْ يَحُوزُ قَصَبَ السَّبْقِ، وَاعَجَبِي!
نَعَمْ؛ أَعْتَرِفُ أَنَّنِي أَحْيَانًا –قَدِيمًا- كُنْتُ قَدْ وَقَعْتُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّقَطَاتِ، وَمَنْ ذَا الذِي مَا سَاءَ قَطُّ؟ وَمَنْ لَهُ الْحُسْنَى فَقَطْ؟، وَلَكِنَّ الدُّنْيَا عَلَّمَتْنِي وَالحَيَاةَ -خِبْرَةً- أَكْسَبَتْنِي، فَأَصْبَحْتُ أُمْسِكُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَعْرِفُ، وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ تَجَرُّؤِ هَذَا أَوْ ذَاكَ عَلَى نَشْرٍ عَلَى صَفَحَاتِهِ تَحْتَ عُنْوَانِ: قَالَتْ لِيَ العُصْفُورَةُ!، وَأَخْبَرَنِي الغُرَابُ!، وَكَلَامُهُ الْمَنْشُورُ فِي أَكْثَرِهِ تَحْلِيلَاتٌ بُنِيَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، وَلَكِنَّهُ زَادَ مِنْ عِنْدِهِ كَثِيرًا مِنَ الكَلِمَاتِ، يَتَتَّبُعُ خُطَى هَؤُلَاءِ الجِنِّ الذِينَ كانوا يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ، فَيَسْتَمِعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَزِيدُونَ فِيهَا عَشْرًا، فَيَكُونُ مَا سَمِعُوا حَقًّا، وَمَا زَادُوهُ بَاطِلًا!.
إِنَّ أَدَوَاتِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ اليَوْمَ أَصْبَحَتْ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مُسْتَنْقَعَ شَرٍّ يَفِيضُ بِالْكَرَاهِيَةِ وَالْحَسَدِ وَهَتْكِ الأَعْرَاضِ وَنَشْرِ الإِشَاعَاتِ، دُونَ مُرَاعَاةٍ لِأَدْنَى مُتَطَلَّبَاتِ الإِيمَانِ وَضَوَابِطِ الأَمْنِ وَالسَّلَامَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ المُخَابَرَاتِ الإِسْرَائِيلِيَّةَ تُتَابِعُ وَبِكُلِّ دِقَّةٍ مَا يَتِمُّ نَشْرُهُ عَلَى كُلِّ قَنَوَاتِ التَّوَاصُلِ مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ المُنْفَلِتِ، فَيَأْخُذُونَ مَا يُرِيدُونَ وَيَنْفَعُهُمْ فِي تَحْقِيقِ أَمْنِهِمْ، وَذَلِكَ بِتَوْجِيهِ ضَرَبَاتٍ قَاتِلَةٍ حَيْثُ يَشَاؤُونَ، وَفِي زَحْمَةِ الأَحْدَاثِ لَا نَدْرِي كَيْفَ قُتِلَ فُلَانٌ؟ وَلَا بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَ؟
إِنَّ مُسْتَنْقَعَ النَّشْرِّ الذِي وَصَلَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ شَبَابِ الـ Social Media يُنْبِئُ بِخَطَرٍ عَظِيمٍ، يَكَادُ أَلَّا يَتْرُكَ سِرًّا إِلَّا وَأَفْشَاهُ، وَلَا مَسْتُورًا إِلَّا وَفَضَحَهُ، وَلَا خَبَرًا أَمْنِيًّا إِلَّا وَأَذَاعَهُ.
فَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَلْسِنَتَكُمْ، وَاكْتُمُوا الأَسْرَارَ التِي تَصِلُكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» [رواه الترمذي].
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَنَا لِسَانًا وَاحِدًا، لَكِنَّهُ ذَكَّرَنَا بِالْشَّفَتَيْنِ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ [البَلَد:8-9]، وَرَحِمَ اللهُ مَنْ تَكَلَّمَ فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ، وَلْيَقُلْ أَحَدُنَا خَيْرًا أَوْ لِيَصْمِتْ، فَقَدْ أُوْكِلَ بِنَا مَلَكَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18].
وَلَا نَنْسَى أَنَّنَا نَعِيشُ حَرْبًا أَمْنِيَّةً بِامْتِيَازٍ، يَتَلَقَّطُ فِيهِا العَدُوُّ الأَخْبَارَ مِمَّا نَنْشُرُ، فَلَا يَكُونَنَّ أَحَدٌ مِنَّا مِعْوَانًا لِإِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ وَسِلْمًا لِلْإِسْرَائِيلِيِّينَ، يُفِيدُهُمْ بِتَقْدِيمِ مَعْلُومَاتٍ مَجَّانِيَّةً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَيُغْنِيهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ العُمَلَاءِ وَالخَوَنَةِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَيُقَرِّرُونَ الشَّرَّ بِنَاءً عَلَى مَنْشُورَاتِهِ وَهُوَ لَاهٍ غَافِلٌ، فَاتَّقُوا اللهَ يَا مَعَاشِرَ النَّاشِرِينَ.