شريط الأخبار

أخْلاقِيّاتُ الفَقِيْرِ!

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2790

(الفَقْرُ هُوَ أسْوأُ أشْكالِ العُنْفِ)، هكذا رَآه المَهاتْما غانْدي، وهكذا رَآه المُصلِحون؛ فَكان القَضاءُ عَلَيْه وعَلى آثارِهِ القاسِيَةِ عَلى سُلَّمِ أوْلَوِيّاتِ الدُّوَلِ التِي تُرِيْدُ النَّهْضَةَ، ولا خَيْرَ فِي ذلك المُجْتمَعِ الذِي لا يَهْتَمُّ بِفُقَرائِهِ.

وبِإمْكانِنا القَوْلُ: إنَّ الفُقَراءَ نَوْعانِ:

- فَقِيْرٌ خاوِي الجَيْبِ لَكِنَّه غَنِيُّ النَّفْسِ، عالِي الهامَةِ، يَأْبى الذُّلَّ، أثْنى عَلى أمْثالِهِ اللهُ تعالى في القرآنِ، فقال: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة:273].

- وفَقِيْرٌ خاوِي الجَيْبِ لَكِنَّهُ ذَلِيْلُ النَّفْسِ، مُنَكِّسُ الهامَةِ، يَسْتَمْرِئُ الذُّلَّ ويَرْضى بِهِ.

ومِنَ المُؤَكَّدِ أنَّ لِلْفَقِيْرِ عَلى مُجْتَمَعِه حُقُوْقًا، وكذلك فإنَّ عَلَيْهِ واجِباتٍ، وإذا كان لا مَفَرَّ مِنَ الفَقْرِ فَلا أقَلَّ مِنْ أنْ نَكُوْنَ أَمامَ النَّوْعِ الأَوَّلِ مِنَ الفُقَراءِ، وهذا ما يَتَمَنَّى المَقالُ أنْ يُساهِمَ فِيْهِ.

مِنَ الوَاجِبِ عَلى الفَقِيْرِ: أنْ يَسْعى في التَّخَلُّصِ مِنْ فَقْرِه ما اسْتَطاعَ، وألَّا يَسْتَمْرِئَ ذلك، وعَلَيْه أنْ يَعْلَمَ أنَّه إذا كان المَرْءُ قادِرًا عَلى التَّخَلُّصِ مِنْ فَقْرِهِ ولَمْ يَفْعَلْ؛ فإنَّ هذا عَيْبٌ ولَيْسَ مَفْخَرةً، فَالقادِرُ عَلى إطْعامِ عِيَالِهِ مِنْ عَرَقِ جَبِيْنِه لَكِنَّه يُقَصِّرُ ويَتَكاسَلُ فإنَّه آثِمٌ شَرْعًا، وقد قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَفَى بِالمَرْءِ إثْماً أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» [أخرجه مسلم أبو داود].

ومِنَ المُحْزِنِ أنْ نَسْمَعَ أنَّ بَعْضَ الفُقَراءِ يُفَضِّلُوْنَ التَّسَوُّلَ، والطَّوافَ عَلى المُؤَسَّساتِ الخَيْرِيَّةِ لِيَأْخُذُوْا مِنْ أمْوالِ الزَّكاةِ والصَّدَقاتِ عَلى الأَكْلِ مِنْ عَمَلِ اليَدِ، وما عَلِمَ هؤلاءِ أنَّ القادِرَ عَلى العَمَلِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أنْ يَأْكُلَ مِنْ مالِ الزَّكاةِ -طَبْعًا إذا تَوَفَّرَ لَهُ عَمَلٌ-، قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِي، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» [سنن أبو داود]. وذُو المِرَّةِ السَّوِيُّ هُوَ الإنْسانُ القَوِيُّ القادِرُ عَلى العَمَلِ.

إنَّ الفَقِيْرَ يَقَعُ فِي الحَرامِ حِيْنَما يَكْذِبُ فِي تَوْصِيْفِ حالَتِهِ، فَنَسْمَعُ أنَّ بَعْضَ الفُقَراءِ يَتَظاهَرُ بِالْفَقْرِ ويُخْفِي أمْلاكَه الحَقِيْقِيَّةَ، وبَعْضَ النَّاسِ يَسْكُنُ بَيْتًا ضَيِّقًا مُتَهالِكًا مَعَ قُدْرَتِه عَلى السَّكَنِ فِي بَيْتٍ أفْضَلَ، ولَكِنَّه يَبْقى كذلك؛ لِيَسْتَدِرَّ عَطْفَ المُؤَسَّساتِ الخَيْرِيّةِ والمُحْسِنِيْنَ، وقد قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فَكَأَنَّما يَسْأَلُهُم جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِرْ» [رواه مسلم].

إنَّ الفَقِيْرَ العَزِيْزَ يَحْرِصُ ما اسْتَطاعَ أنْ يَكُوْنَ عَفِيْفًا، وألَّا يُرِيْقَ ماءَ وَجْهِهِ أمامَ النَّاسِ، جاءَ فِي الحَدِيْثِ: «لا تَزَاْلُ المَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ فِيْ وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» [متفق عليه]، فَلا يَلِيْقُ بِهِ أنْ يَسْألَ النَّاسَ كُلَّ شَيْءٍ، فَأَحْيانًا يَكُوْنُ هذا الفَقِيْرُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ بَعْضِ المُساعَداتِ التِي تُقَدَّمُ، فَلِماذا لا يَكُوْنُ قَنُوْعًا ويَقُوْلُ لِلْمُتَصَدِّقِيْنَ: هذا عِنْدِي؟!! وكَمْ سُعِدْتُ حِيْنَما سَمِعْتُ أحَدَ المُتَصَدِّقِيْنَ يَقُوْلُ: أنَّه طَرَقَ بابَ فَقِيْرٍ لِيُقَدِّمَ لَهُ مُساعَدةً، فَقالَ لَهُ الفَقِيْرُ: شُكْرًا لَكَ، لَكِنِّي مَسْتُوْرُ الحالِ، وهُناكَ مَنْ هُوَ أحْوَجُ مِنِّي، فَقَدِّمْ مُساعَدَتَكَ لِغَيْرِي.

إذا نَظَّمَ المَرْءُ مَصْرُوْفاتِه ولَمْ يُبَذِّرْ، وادَّخَرَ القِرْشَ الأبْيَضَ لِلْيَوْمِ الأسْودِ؛ فإنَّه يُقَلِّلُ مِنْ إمْكانِيّةِ وُقُوْعِه في الفَقْرِ المُدْقِعِ، أمّا الذِي يَبْسُطُ يَدَه كُلَّ البَسْطِ فِي الإنْفاق، فإنَّه يَجْلِسُ يَتَحَسَّرُ، قال تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء:29]، وَيَسْتَغْرِبُ المَرْءُ مِنْ بَعْضِ الفُقَراءِ الذِيْنَ يَعِيْشُوْنَ عَلى المُساعَداتِ لَكِنَّهُم يَشْتَرُوْنَ أحْدَثَ الجَوَّالاتِ، ويُلاحِقُوْنَ مُوْضاتِ المَلابِسِ، وإذا تَزَوَّجَ أحَدُهُم فَلا تَسَلْ عَنْ حَجْمِ التَّبْذِيْرِ فِي عُرْسِهِ، وقَدْ يَسْتَدِيْنُ لِشِراءِ الكَمالِيّاتِ! وهذا يُوْجِبُ عَلى المُؤَسَّساتِ الخَيْرِيَّةِ والمُخْتَصِّيْنَ أنْ يَعْمَلُوْا عَلى تَوْعِيَةِ الفُقَراءِ فِي آلِيَّاتِ الادِّخارِ.

وعَلى الفَقِيْرِ أنْ يَكُوْنَ لَطِيفًا مُتَواضِعًا، وقد أخْبَرَنا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ مِنَ الثَّلاثَةِ الذِيْنَ لَاْ يُكَلِّمُهُم اللهُ يَوْمَ القِيامةِ ولا يُزَكِّيْهِم ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيْمٌ: «عائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»، أيْ: فَقِيْرٌ مُتَكَبِّرٌ.

إنَّ هذه الهَمْساتِ لِإِخْوانِي الفُقَراءِ لا يَعْنِي أنَّنِي أُحَمِّلُهُم مَسْئُوْلِيَّةَ فَقْرِهِم، أوْ أنَّنِي أُعْفِي الأغْنِياءَ والمَسْئُولِينَ مِنْ واجِبِهم تُجاهَهم، بَلْ هَدَفِي مِنْ وَراءِ ذلكَ أنْ أُساهِمَ فِي تَحْسِينِ أحَوالِهم، سائِلًا رَبِّي أنْ يُغْنِيَ كُلَّ الفُقَراءِ مِنْ فَضْلِهِ.

مقالات مشابهة

أخْلاقِيّاتُ الفَقِيْرِ!

منذ 0 ثانية

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارة الأوقاف

إلَّا اخْتارَ أصْعَبَهُما!

منذ 8 ثانية

نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الهَزِيمَةُ النَّفْسِيَّةُ.. أَسْبَابٌ وَحُلُولٌ

منذ 57 ثانية

أ. محمد ناصر الثوابتة - خطيب بوَزارة الأوقاف

بُشْرَاكُمْ، هَذَا رَمَضَانُ

منذ 2 دقيقة

أ. محمد شاكر البنا - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

أخْلاقِيّاتُ الفَقِيْرِ!

منذ 0 ثانية2790
إلَّا اخْتارَ أصْعَبَهُما!

منذ 8 ثانية2693
الهَزِيمَةُ النَّفْسِيَّةُ.. أَسْبَابٌ وَحُلُولٌ

منذ 57 ثانية2722
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi