شريط الأخبار

السَّعْيُ فِي حَاجَةِ الآخَرِينَ

أ. وفا محمود عياد - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2763

إِنَّ الإِنْسَانَ يَعِيشُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ وَلَهُ حَاجَاتُهُ الخَاصَّةُ وَمُتَطَلَّبَاتُهُ المُلِحَّةُ، كَمَا أَنَّه لَا يَخْلُو مِنْ هُمُومٍ وَمِحَنٍ تُلَاحِقُهُ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالَاتِ يَتَّضِحُ ضَعْفُهُ وَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُ إِلَى مُسَاعَدَةِ الآخَرِينَ، يُعِينُونَهُ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ أَوْ يُخَفِّفُونَ عَنْهُ شَيْئاً مِنْ كَرْبِهِ، وَلِهَذَا جَاءَتِ التَّوْجِيهَاتُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُثُّ المُسْلِمَ عَلَى تَقْدِيمِ العَوْنِ وَالمُسَاعَدَةِ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ، وَتَزْدَادُ أَهَمِّيَّةُ هَذِهِ السُّلُوكِيَّاتِ حَتَّى تَصِلَ دَرَجَةَ الحُقُوقِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الدِّينِ الوَاحِدِ.

وَقَدْ وَضَعَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِذَلِكَ قَاعِدَةً عَامَّةً، حَيْثُ يَقُولُ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [متفق عليه]، وَجَمِيعُنَا بِلَا شَكٍّ يُحِبُّ أَنْ يَرَى إِخْوَانَهُ مِنْ حَوْلِهِ عِندَمَا يَحْتَاجُهُمْ، أَوْ حِينَ يَرَى نَفْسَهُ وَاقِعاً فِي هُمُومِ الدُّنْيا وَأَحْزَانِها، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه البخاري].

وَهَذَا السُّلُوكُ إِذَا زَادَ وَانْتَشَرَ شَعَرَ النَّاسُ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالسَّكِينَةِ، وَهُوَ يُضْفِي عَلَى الحَيَاةِ نَوْعاً مِنَ الضَّمَانِ الاجْتِمَاعِيِّ، فَلَا يَرَى المُسْلِمُ نَفْسَهُ وَحِيداً مُهْمَلاً بَيْنَ مُجْتَمَعٍ لَا يَأْبَهُ لَهُ وَلَا يَعْنِيهِ أَمْرُهُ، وَإِنَّ السَّعْيَ فِي حَاجَةِ الإِخْوَانِ مُقَدَّمٌ عَلَى أَدَاءِ النَّوَافِلِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفاً فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا فُلَانُ، أَرَاكَ مُكْتَئِباً حَزِيناً، قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ، لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقُّ وَلَاءٍ؛ وَحُرْمَةِ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا أُكَلِّمُهُ فِيكَ؟ فَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ: فَانْتَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ المَسجِدِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنَسِيتَ مَا كُنْتَ فِيهِ؟، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ، -فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ- وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرًا مِنِ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلاثَ خَنَادِقَ أَبَعْدَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ» [رواه مسلم].

هَذَا فِقْهُ ابْنِ عَبَّاسٍ الذِي تَعَلَّمَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَيْنَمَا نَرَى بَعْضَنَا يَسْتَخِفُّ بِالأَمْرِ، فَتَخْتَلِطُ عِنْدَهُ الأَوْلَوِيَّاتُ وَيَبْخَلُ عَلَى إِخْوَانِهِ فِي الاسْتِمَاعِ إِلَى هُمُومِهِمْ أَوْ التَّخْفِيفِ مِنْ كُرُوبِهِمْ، وَعَلَاقَتُنَا كَأَبْنَاءِ دِينٍ وَاحِدٍ وَإِخْوَةٍ فِي اللهِ تُشْبِهُ عَلَاقَةَ اليَدَيْنِ بِبَعْضِهِمَا، إِذْ كُلُّ يَدٍ تَخْدِمُ الأُخْرَى وَتُنَظِّفُهَا وَتَغْسِلُهَا، فَلَا غِنَىً لِوَاحِدَةٍ عَن أُخْتِهَا، فَأَنْتَ حِينَمَا تُعْطِي إِنَّمَا أَنْتَ تَأْخُذُ وَتَأْخُذُ حُبَّ الآخَرِينَ، وَتَجِدُهُمْ حَوْلَكَ حِينَمَا تَحْتَاجُهُمْ، ثُمَّ أَنْتَ تَأْخُذُ الأَجْرَ مِنَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ مِنْ أَوَاخِرِ مَا كَتَبَهُ سَيِّدُ قُطْب قَبْلَ اسْتِشْهَادِهِ حِينَ قَالَ: "لَقَدْ أَخَذْتُ كَثِيراً.. أَعْنِي لَقَدْ أَعْطَيْتُ كَثِيراً"؛ لِأَنَّ الأَخْذَ وَالعَطَاءَ عِنْدَ المُؤْمِنِ لَهُمَا مَدْلُولٌ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ نُرِيدُ ذَلِكَ المُسْلِمَ الذِي يَحْرِصُ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِ إِخْوَانِهِ وَيُعِينُهُمْ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ، وَرُبَّما بَادَرَ هُوَ وَتَحَرَّكَ دُونَ أَنْ يَطْلُبَ أَحَدٌ مِنْهُ ذَلِكَ.

لَكِنَّ خُلُقَ العَطَاءِ هَذَا يُقَابِلُهُ خُلُقٌ آخَرُ لَا يَقِلُّ أَهَمِّيَّةً حَتَّى تَتَكَامَلَ الصُّورَةُ، مَفَادُهُ أَنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ لَا يُكْثِرَ الطَّلَبَ مِنْ إِخْوَانِهِ وَأَنْ يَتَجَنَّبَ إِحْرَاجَهُمْ وَأَنْ يَكُونَ خَفِيفَ الظِّلِّ لَا يَعْرِضُ حَاجَاتِهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ يَسْتَغِلُّ كَرَمَ إِخْوَانِهِ وَرَحْمَتَهُمْ، فَيُرْهِقُهُمْ بِحَاجَتَهِ فِي كُلِّ حِينٍ، وَقَدْ عَلِمْنَا مِنَ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ عَدَداً مِنَ الصَّحَابَةِ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئاً، وَقَدْ بَالَغُوا بِالالْتِزَامِ حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعِهِ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ النَّاقَةِ فَيَنْزِلُ وَيَتَنَاوَلُهُ بِنَفْسِهِ بِالرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ إِخْوَانِهِ مُشَاةً بِجَانِبِهِ، وَبَيْنَ هَذِهِ العِفَّةِ وَالنَّقَاءِ وَذَلِكَ التَّحَرُّكِ وَالعَطَاءِ نُرِيدُ الدُّعَاةَ أَنْ يُتْقِنُوا فَنَّ الإِخَاءِ.

مقالات مشابهة

السَّعْيُ فِي حَاجَةِ الآخَرِينَ

منذ 0 ثانية

أ. وفا محمود عياد - خطيب بوَزارة الأوقاف

بَعْدَ الطَّاعَاتِ.. طَلَبُ القَبُولِ وَالثَّبَاتُ

منذ 16 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الصَّلاةُ .. زادُ الآخِرَةِ

منذ 57 ثانية

م. أحمد علي أبو العمرين - خطيب بوَزارة الأوقاف

فَضْلُ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ والأعْمالُ المُسْتَحَبَّةُ فِيْها

منذ 2 دقيقة

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

السَّعْيُ فِي حَاجَةِ الآخَرِينَ

منذ 0 ثانية2763
بَعْدَ الطَّاعَاتِ.. طَلَبُ القَبُولِ وَالثَّبَاتُ

منذ 16 ثانية2659
أفكار لتبادل الزيارات بين المساجد

منذ 56 ثانية4130
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi