شريط الأخبار

الاهْتِمامُ واللامُبالاةُ فِي ضُوْءِ الشَّرِيْعَةِ الإِسْلامِيَّةِ

أ. أحمد عليان عيد - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 7460

خَلَقَ اللهُ تَعالى الإنْسانَ لِيَعيشَ ضِمْنَ جَماعاتٍ، فَهُوَ لَمْ يَخْلُقْهُ لِيَكونَ وَحيداً مُنْعَزِلاً ومُنْطَوِياً عَلى نَفْسِه، فَنَجِدُهُ بِحاجَةٍ إلى أَنْ يَهْتَمَّ بِهِ الآخَرون؛ لِأَنَّهُ عِبارَةٌ عَنْ حاجَةٍ نَفْسِيَّةٍ إنْسانِيَّةٍ تَمْنَحُ الإنْسانَ الشُّعورَ بِالأَمانِ والثِّقَةِ وتُعَمِّقُ رَوابِطَه مَعَ المُحيطِ، فِي حِينِ أَنَّ غِيابَ الاهْتِمامِ يَقودُ إلى بُرودَةِ المَشاعِرِ والجُمودِ واللامُبالاةِ، بَلْ إلى أَشْكالٍ مُتَنَوِّعَةٍ مِنَ الأَمْراضِ النَّفْسِيَّةِ والجُنوحِ.

فَعِنْدَما نَجِدُ شَخْصاً ما يَقولُ: "إِنَّ هذا الأَمْرَ لَاْ يَعْنيني أو لَاْ يَهُمُّني أو دَعوني وَشَأْني.. إلخ"، أو نَجِدُ أَفْعالَهُ تَدُلُّ عَلى ذلكَ، فَإِنَّ هذه إشارةٌ تَدُلُّ عَلى اللامُبالاةِ.
وتَعْني عَدَمَ الاهْتِمامِ وتَرْكَ الأُمورِ كَما هِيَ، ويَأْتي هذا مِنْ أَمْرٍ قَدْ استَـقرَّ فِي ذِهْنِهِ وَيَحْتاجُ إلى تَصْحيحٍ مِنَ الآخَرِينَ، وَعَدَمُ التَّدَخُّلِ هُنا مِنْ خِلالِ استِبْدالِ الأَفْكارِ والكَلِماتِ التي يَعْتَـقِدُها الشَّخْصُ يَجْعَلُ الأُمورَ تَسيرُ بِالطَّريقِ الخَطَأِ.

وَهُنا أُخاطِبُ كُلَّ إنْسانٍ أَنَّه لَاْ بُدَّ أَنْ تَرى الآخَرِينَ مِنْ زاوِيةٍ مُخْتَلِفةٍ، وَهِيَ عِبارةٌ عَنِ الأَفْكارِ وَالكَلِماتِ التي قَدْ تَـكونُ غالِباً سَلْبِيَّةً وَتَحْتاجُ إلى بَدائِلَ إِيْجابِيَّةٍ، وَلَاْ أَتَحَدَّثُ هُنا عَنْ رُؤْيَتِكِ لِلْشَّكْلِ الخارِجِيِّ للآخَرِينَ، وَإِنَّما عَنْ تَعْبيراتِك الداخِلِيَّةِ والخارِجِيَّةِ لَهُمْ، فَإِنْ كانَ الآخَرُ فِي نَظَرِكَ سَيِّئاً فَسيَكونُ سَيِّئاً مَهْما فَعَلَ مِنْ جَميلٍ وَإِنْ كان فِي نَظَرِكَ مُسْتَفِزَّاً، فَكُلُّ ما يَفْعَلُ الآخَرُ سَتَظُنُّهُ مَقْصوداً لاسْتِفْزازِكَ رَغْمَ بَراءَةِ تَصَرُّفاتِهِ، حتَّى اهتمامُه قَدْ يَتَحَوَّلُ لِتَلَصُّصٍ عَلى أَفْعالِكَ إِنْ كُنْتَ تُريدُ هذا!

فَالمَطْلوبُ مِنْكَ أَلَّاْ تَخْلِطَ بَيْنَ ما تُريدُ أنتَ أَنْ تَراه وما يَفْعَلُه الآخَرونَ، وَلَاْ تَنْسَ أَنَّ استِمْرارَ العَلاقاتِ مَبْنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].

لِذلكَ إِنْ أَخْطَأَ الآخَرونَ فِي حَقِّكَ يَوْماً فَلْتَلْتَمِسْ لَهُم سَبْعينَ عُذْرًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَلَعَلَّ لِلآخَرينَ عُذْراً لَاْ تَعْرِفُهُ؛ انتَظِرْ حَتَّى تَسْأَلَهُم أَوْ يَظْهَرَ لَكَ سَبَبٌ يُوَضِّحُ ذَلكَ، وَهُنا لَاْ بُدَّ مِنْ وُجودِ عِباراتٍ لِتَنْمِيةِ التَّفْكيرِ الإيجابِيِّ وَتَحْفيزِ الذَّاتِ بِداخِلِكَ، مِثْل: "سَأُحادِثُكَ لِأَنِّي اشْتَقْتُ إليْكَ، وَسَأَغِيبُ لِأَنِّي مَشْغولٌ، وَسَأَنامُ لِأَنِّي مُتْعَبٌ"، لِذلكَ ما عَلَيْكَ إِلَّاْ أَنْ تَـكونَ عَفَوِيَّاً، وَكُلَّما تَوَصَّلْتَ إلى مَرْحَلةٍ تَحْمِلُ فيها تِلْكَ المَشاعِرَ الإيجابِيَّةَ، حِيْنَها سَتَعْمَلُ عَلى تَحْويلِ تَرْكيزِكِ مِمَّا “لَاْ تُريدُهُ” إلى ما “تُريدُهُ”، وَهَذا إِذا أَيْقَنْتَ بِأَنَّ ما تُرَكِّزُ عَلَيْهِ دَوْمًا هُوَ الذي يَنْمو بِداخِلِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرٍ فِي حَياتِكَ، فَكُلُّ إنْسانٍ مِنَّا يَحْمِلُ بِداخِلِهِ الكَثيرَ، وَكُلُّ شَخْصٍ لَهُ ظُروفٌ وَإِنْ غابَتْ عَنْكَ!
فَلَيْسَ بِالمَعْنى أَنَّهُ لَاْ يُريدُكَ أَوْ لَاْ يَهْتَمُّ بِكَ بَلْ رُبَّما ما زالَ يُذَكِّرُكَ دائماً وَمُهْتَمٌّ بِكَ وَيَجِدُكَ بَيْنَ حُروفِهِ دائماً، لِذا كُنْ عَفَوِيَّاً.

خِتاماً، لَاْ بُدَّ مِنَ النَّظَرِ مِنْ زاوِيةٍ أُخْرى؛ لِأَهَمِّيَّةِ مَعْرِفَتِها، وَهِيَ أَنَّ لِلْتَّواصُلِ مَعَ النَّاسِ فائدةً كَبيرةً وَأَهَمِّيَّةً عَظيمةً، فَيَجِبُ أَنْ يَكونَ التواصُلُ مَعَ النَّاسِ أَوْلَوِيَّةً مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ كُلِّ شَخْصٍ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ رُبَّما لَاْ تُمَثِّلُ لِأَحَدِهم سوى -شَخْصٍ عابِرٍ- وَلَسْتَ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ نُحِبُّ سَيُحِبُّنا بِقَدْرِ ما أَحْبَبْناه، فَعَلَيْكَ أَنْ تَتْرُكَ بِتَفْكيرِكَ أَثَرًا طَيِّبًا، لِتَرْتاحَ ذاتُكَ فِي التَّعامُلِ مَعَ الآخَرينَ وَحَتَّى لَاْ تُصابَ بِالخَيْبَةِ وَاليَأْسِ عِنْدَما تُخالِطُ النَّاسَ بِنِيَّةٍ طَيِّبَةٍ، وَتَبْحَثُ دائماً عَنْ مُبَرِّراتٍ لِدَوافِعِ أَعْمالِ البَعْضِ مِنْهُم حَتَّى لَوْ كانتْ فِيها إساءةٌ إليْنا وَنَحْنُ أَحْسَنَّا إليْه، فَلَاْ تُعامِلْ بِالنِّدِّ وَأَعْطِ حَتَّى لَوْ لَمْ تَأْخُذْ شَيْئاً.

واسْمَعْ قَوْلَ الشاعِرِ حِيْنَ قالَ:
اِزْرَعْ جَمِيلًا وَلَوْ فِي غَـيْرِ مَـوْضِـعِـهِ

فَـلَا يَضِيعُ جَـمِيلٌ أَيْنَمَا زُرِعَـا

إنَّ الْجَمِيلَ وَإِنْ طَــالَ الزَّمَـــانُ بِـــهِ

فَلَيْسَ يَحْصدُهُ إِلَّا الَّذِي زَرَعَا

فَثِقْ دائماً أَنَّ نَقاءَكَ الدَّاخِلِيَّ سَيَنْعَكِسُ عَلى كُلِّ حَياتِكَ بِشَكْلٍ يَمْنَحُكَ طاقةً إيجابِيَّةً وَسَعادةً، فَنَقاؤُكَ الدَّاخِلِيُّ بِهِ يُحِبُّك اللهُ ويُحَبِّبُ النَّاسَ فِيكَ، ويَمْنَحُكَ اللهُ نُوراً فِي قَلْبِكَ فَتَصيرُ شُعْلَةً وَقُدْوَةً لِلْنَّاسِ مِنْ حَيْثُ لَاْ تَدْري.

مقالات مشابهة

الاهْتِمامُ واللامُبالاةُ فِي ضُوْءِ الشَّرِيْعَةِ الإِسْلامِيَّةِ

منذ 0 ثانية

أ. أحمد عليان عيد - خطيب بوَزارة الأوقاف

مُمَارَسَةُ النَّقْدِ بَيْنَ الإِيجَابِ وَالسَّلْبِ

منذ 1دقيقة

د. عبد رب النبي فتحي أبو سلطان - خطيب بوَزارة الأوقاف

تَطْفِيفٌ مُتَعَدِّدُ الاتِّجَاهَاتِ!

منذ 4 دقيقة

أ‌. محمد علي عوض - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الاهْتِمامُ واللامُبالاةُ فِي ضُوْءِ الشَّرِيْعَةِ الإِسْلامِيَّةِ

منذ 0 ثانية7460
مُمَارَسَةُ النَّقْدِ بَيْنَ الإِيجَابِ وَالسَّلْبِ

منذ 1دقيقة2769
ما فضلُ ليلةِ القدر؟

منذ 2 دقيقة2640
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi