شريط الأخبار

المساجد .. عمّارها زوّارها

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين منذ 0 ثانية 5073

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

في الحديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -فذكر منهم- رجل قلبه معلق بالمساجد« [متفق عليه]؛ لما آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القربة، ولذة العبادة، وأنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه، وتقرّ عينه، فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق قلبه بها حتى يعود إليها، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله جل وعلا فانقادت له، فلا يقصر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدم عليه محبة مولاه جل في علاه.

أما من غلبته نفسه الأمّارة بالسوء فقلبه معلق بالجلوس في الطرقات، والمشي في الأسواق، محب لمواضع اللهو واللعب، وأماكن التجارة واكتساب الأموال.

فضل المساجد:

إن المساجد بيوت الله -جل وعلا-، وهي خير بقاع الأرض، وأحب البلاد إلى الله تعالى، أضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت بها قلوب المحبين لله عز وجل لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لإظهار ذكره فيها، فأين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟ قلوب المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين إلى بيون معبودهم مترددة، تلك: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده« [رواه مسلم].

فضل التبكير إلى الصلاة:

كم في المبادرة والتبكير إلى صلاة الجماعة في المسجد من الأجر العظيم فمن ذلك:

1. أن الجالس قبل الصلاة في المسجد انتظاراً لتلك الصلاة هو في صلاة -أي له ثوابها- مادامت الصلاة تحبسه، ففي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلّى بهم، قال لهم: »إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة« [متفق عليه]، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: »ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة« [متفق عليه].

2. أن الملائكة تدعوا له ما دام في انتظار الصلاة ففي الحديث: »ومن ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له وارحمه« [رواه مسلم]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: »الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه« [متفق عليه].

قوله مصلاه: المراد به موضع الصلاة التي صلاها في المسجد دون البيت كما يدل عليه آخر الحديث.

أما المرأة فقال أهل العلم: "لو صلت في مسجد بيتها، وجلست فيه تنتظر الصلاة فهي داخلة في هذا المعنى إذا كان يحبسها عن قيامها لأشغالها انتظار الصلاة".

3. أن المبكر يتمكن من أداء السنة الراتبة في صلاتي الفجر والظهر ويصلي نافلة في غيرهما، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: »بين كل أذانين صلاة، قالها ثلاثاً قال في الثالثة: لمن شاء« [متفق عليه].

4. أن المبكر للصلاة يمكنه استغلال ذلك الوقت لقراءة القرآن، فقد لا يتيسر له ذلك في أوقات آخر.

5. أن هذا الوقت من مواطن إجابة ففي الحديث عن أنس -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: »إن الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة فادعوا« [رواه الترمذي].

6. أنه يدرك الصف الأول، ويصلي قريباً من الإمام، عن يمينه في الحديث: »إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول« [حديث صحيح].

7. أنه يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام، والتأمين معه، ويحصل له فضل صلاة الجماعة.

فضل البقاء في المسجد انتظاراً للصلاة الأخرى:

في جلوس المرء في المسجد بعد الصلاة انتظاراً لصلاة أخرى فضل عظيم وأجر كبير، فمن ذلك:

1. أنه في صلاة لما سبق في الحديث: »ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة« [متفق عليه].

2. وهو من نوع الرباط في سبيل الله للحديث: »وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط« [أخرجه مسلم]، قال ابن رجب: "وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلّى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله -عز وجل-".

3. أنه تصلي عليه الملائكة فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: "مُنتظر الصلاة من بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحة، تصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر".

4. أنه سبب لتكفير السيئات، ورفع الدرجات ففي الحديث: »ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟، فذكر منها: وانتظار الصلاة بعد الصلاة« [أخرجه مسلم]، وفي الحديث: »الكفارات: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكروهات« [رواه الترمذي]، قال ابن رجب: "يدخل في قوله: والجلوس في المساجد بعد الصلوات الجلوس للذكر، والقراءة، وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة، وجلس ينتظر طاعة أخرى"، وعن علي -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: »من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه« [أخرجه البخاري].

قال ابن رجب -رحمه الله-: "وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها، فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة، والمساكن الحسنة، ومواطن النزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها، وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد".

وهذا الجنس -أعني ما يؤلم النفس، ويخالف هواها- فيه كفارة للذنوب، وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه، فكيف بما كان حاصلاً عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلى الله -عز وجل-؟ فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها.

السلف وعمارة المساجد:

1. قال ابن جريج: "كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة".

2. كان زياد مولى ابن عباس -أحد العباد الصالحين- يلازم مسجد المدينة، فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: "أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد! تريدين أن تبصري دار فلان، ودار فلان".

3. قال سعيد بن المسيب: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد".

4. قال ربيعة بن يزيد: "ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً".

5. قال يحيى بن معين: "لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة".

الجوار المبارك:

في الحديث: »إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمّار المساجد« [صححه الألباني].

اللهم اجعلنا من عمار المساجد، المحافظين على الصلاة فيها، وارزقنا اللهم الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وآله وصحبه أجمعين.

مقالات مشابهة

المساجد .. عمّارها زوّارها

منذ 0 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

هل حققت المساجد في فلسطين رسالتها؟

منذ 1دقيقة

أ. ماهر عبد الواحد – داعية اسلامي

المسجد ودوره في حماية الشباب من الانحراف

منذ 2 دقيقة

د. سالم محمود عبد الجليل

"تَرْشِيدُ الخِلْفَةِ" أَوْ تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ!

منذ 2 دقيقة

أ. محمد علي عوض - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

المساجد .. عمّارها زوّارها

منذ 0 ثانية5073
ما فضلُ ليلةِ القدر؟

منذ 26 ثانية2639
استراتيجيات مقترحة لإقامة المخيمات الصيفية

منذ 37 ثانية8226
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi