شريط الأخبار

صِلَةُ الأرحامِ من شُعَبِ الإيمانِ

د. شادي حمزة طبازة - خطيب بوزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2674

حامدًا اللهَ تعالى على نِعَمِه وآلائِه، ومُصلِّيًا ومُسلِّمًا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبعـــــدُ:

لقد منَّ اللهُ علينا إذ أرسلَ إلينا رسولًا مِنّا نعرِفُ صِدْقَه ونَسَبَه وأمانتَه وعفافَه، وصَفه ربُّ العِزَّةِ في كتابه، بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128]، فقد علَّمنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرحمةَ بالقريبِ والبعيدِ، وأسّسَ دَوْلةَ الإسلامِ على الحُبِّ والإخاءِ، فربط بين قلوبِ المسلمينَ برِبَاطٍ وثيقٍ؛ حيث جعَلهم مُتحابّين في أحْلَكِ الظروفِ كما وصَفهم في الحديثِ الذي أخرجه الإمامُ البخاريُّ مِنْ حديثِ النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ -رضي اللهُ عنه-، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى« [صحيح البخاري ح/5552].

وإتمامًا لهذا الترابطِ بين أفرادِ المجتمعِ المسلِمِ دعا النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُسُسٍ عظيمةٍ مِنْ أوّلِ لحْظةٍ دخل فيها المدينةَ، منها صِلَةُ الأرحامِ، ففيما أخرجه الدارِميُّ من حديثِ عبدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ -رضي اللهُ عنه-، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ، فَقَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: »يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ« [سنن الدارمي ح/‏2632]، فإنَّ صلة الأرحام شُعْبَةٌ مِنْ أعظمِ شُعَبِ الإيمانِ، فبها يتقاربُ أهلُ الإيمانِ، وتتآلفُ القلوبُ والأبدانُ، بل إنَّ بها الرفقَ والتلطُّفَ بالأقربين.

قال العيْنيُّ -رحمه الله-: "صلة الأرحام: كنايةٌ عن الإحسانِ إلى الأقربينَ من ذوي النَّسَبِ والأصْهارِ والتعطُّفِ عليهم والرفقِ بهم والرعايةِ لأحوالِهم، وكذلك إن بَعُدُوا وأساؤوا ، وقطْعُ الرَّحِمِ قطْعُ ذلك كُلِّه" [عمدة القاري: 22/81]، فليس المُراد بالصِّلة أن تصلَهم إن وصلوك؛ فإن هذا مكافأةٌ، بل أن تصلَهم حتى وإن قطعوك.

فقد روى البخاريُّ وغيرُه حديثَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِل الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا« [صحيح البخاري:ح/5532]، فكُلُّ إنسانٍ يَدِيْنُ بدينِ الحقِّ أولى بأرحامِه أن يَبِرَّهُم ويُحْسِنَ إليهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:75].

وتحصلُ صلةُ الرِّحِمِ بالزيارةِ، والمُعاونةِ، وقَضاءِ الحوائجِ، والسّلامِ، وبالكتابةِ إنْ كان بعيدًا، وبذلِ المالِ لمَنْ يستطيعُ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ« [أخرجه الترمذي:ح/594]، ويَلْحَقُ بذلك جميعُ أنواعِ الإحسانِ ممّا يتأتّى به مقصودُ صلةِ الأرحامِ.

فحَرِيٌّ بمَنْ يعيشُ على ثرى أرضِ فلَسطين المباركةِ، وقد أظلَّه شهْرُ رمضانَ شهْرُ الرَّحماتِ والبَرَكاتِ، أنْ يسيرَ على هذا المنهجِ القويمِ الذي يضمَنُ لِأُمَّةِ الإسلامِ العزّةَ والتمكينَ خاصّةً ونحنُ نعيشُ ظروفًا عصيبةً تجعلُ كُلَّ أخٍ ينتظِرُ أخيه، وكلَّ قريبٍ يبحثُ عن قريبِه، فلنُشْعِر العالَمَ أجْمعَ أنّنا كالجسَدِ الواحدِ، ويكفي أنْ نعلَمَ أنَّ لصلةِ الرَّحِمِ حِكَماً جليلةً، مِنْ أهمِّها بَسْطُ الرِّزْقِ وطُولُ العُمُرِ، ففي صحيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: »مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ« [صحيح مسلم:ح/4639]، وما أحوجَ أهلَ فلَسطينَ لهذه البِشَارةِ من سيِّدِ المرسَلينَ -بأبي هو وأمي- -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الذي أرسلَه ربُّنا -سبحانَه وتعالى- رحمةً للعالمينَ.

مقالات مشابهة

صِلَةُ الأرحامِ من شُعَبِ الإيمانِ

منذ 0 ثانية

د. شادي حمزة طبازة - خطيب بوزارة الأوقاف

الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ

منذ 1دقيقة

أ. علي جمال المنشاوي - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

لَا تَحْقِرَنَّ ضَعِيفاً!

منذ 2 دقيقة

أ. علي جمال المنشاوي - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

إِذَا انْتَقَدْتَّ فَكُنْ نَفْسَكَ!

منذ 4 دقيقة

أ‌. محمد علي عوض - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

صِلَةُ الأرحامِ من شُعَبِ الإيمانِ

منذ 0 ثانية2674
الاستيعاب في الدعوة والداعية

منذ 1ثانية4734
التواصل مع الأقران وغيرهم في حياة الداعية

منذ 20 ثانية3219
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi