شريط الأخبار

الانْفِصَامُ النَّكِدُ بَيْنَ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ

أ. وفا محمود عياد - خطيب بوَزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 4406

إِنَّ المُسْلِمَ يُحَلِّقُ فِي فَضَاءِ هَذَا الكَوْنِ الفَسِيحِ بِجَنَاحَيِ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ، وَيَحْرِصُ أَشَدَّ الحِرْصِ عَلَى أَنْ يُوَازِنَ بَيْنَ هَذَيْنِ الجَنَاحَيْنِ؛ حَتَّى لَا يَتَعَثَّرَ فِي طَرِيقِ سَيْرِهِ نَحْوَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَلَقَدْ أَكَّدَ الشَّارِعُ الحَكِيمُ أَنَّ العِبَادَاتِ مَا جَاءَتْ إِلَّا لِكَيْ تُهَذِّبَ الأَخْلَاقَ وَتُصَحِّحَ مَسَارَ المُعَامَلَاتِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَلَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ رَغْمَ أَنَّهُ قَدْ نَجَحَ فِي جَانِبِ العِبَادَاتِ المُبْتَدِئَةِ بِالْتَّوْحِيدِ وَالمُنْتَهِيَةِ بِالْجِهَادِ أَنَّهُ (مُفْلِسٌ) وَمَصِيرُهُ بَئِيسٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، فَفِي الحَدِيثِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَفِي المَاضِي كُنَّا نُعَانِى شُيُوعَ الجَهْـلِ وَالأُمِّيَّةِ الدِّينِيَّةِ التِي كَانَتْ نَتِيجَةً طَبِيعِيَّةً لِأُمِّيَّةِ القِرَاءَةِ وَالكِتَابَةِ، وَمَعَ ارْتِفَاعِ نِسْبَةِ الالْتِحَاقِ بِالْتَّعْلِيمِ، انْحَسَرَتْ الأُمِّيَّةُ، وَانْتَشَرَ التَّدَيُّنُ لَدَى الكَثِيرِينَ مِنْ فِئَاتِ المُجْتَمَعِ، غَيْرَ أَنَّ المُلَاحَظَ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ المُتَدَيِّنِينَ يَفْصِلُونَ بَيْنَ عِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، فَلَيْسَ غَرِيبَاً أَنْ تَجِدَ مَنْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ وَصِيَامِ النَّافِلَةِ وَلَا يُتْقِنُ عَمَلَهُ، أَوْ مَنْ يُقَصِّرُ جِلْبَابَهُ وَلَا يَصْدُقُ فِي تِجَارَتِهِ، وَمَنْ تَرْتَدِي النِّقَابَ وَلَا تَبِرُّ أُمَّهَا؛ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ نُطْلِقَ عَلَيْهِ مُصْطَلَحَ "التَّدَيُّنِ الشَّكْلِيِّ" أَوْ "الظَّاهِرِيِّ"، الذِي يُجَسِّدُ انْفِصَامَاً نَكِدَاً بَيْنَ العِبَادَاتِ وَالأَخْلَاقِ وَالمُعَامَلَاتِ، وَهَذَا الأَمْرُ حَذَّرَ مِنْهُ عُلَمَاءُ الدِّينِ؛ لِخُطُورَتِهِ عَلَى الأُمَّةِ وَعَلَى الدِّينِ نَفْسِهِ، وَأَشَارُوا إِلَى أَنَّ التَّصَدِّيَ لِتِلْكَ الظَّاهِرَةِ يَبْدَأُ مِنَ القُدْوَةِ الفَاعِلَةِ وَالتَّنْشِئَةِ السَّلِيمَةِ.

صَحِيحٌ أَنَّ الامْتِثَالَ بِالْسُّنَنِ وَالعَمَلَ بِهَا دَلِيلُ حُبِّ المُسْلِمِ لِدِينِهِ وَالاقْتِدَاءِ بِسُنَّةِ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ شَرِيطَةَ أَلَّا تُخَالِفَ المُعَامَلَاتُ سُلُوكَ العِبَادَاتِ وَقِيَمَهَا، كَمَا أَنَّ غِيَابَ القُدْوَةِ الكَامِلَةِ العَامِلَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ سَبَبٌ لِشُيُوعِ التَّدَيُّنِ الظَّاهِرِيِّ، وَكَذَلِكَ الأَخْذُ بِظَاهِرِ بَعْضِ النُّصُوصِ وَعَدَمُ الإِلْمَامِ بِبَاقِي النُّصُوصِ سَبَبٌ لِانْتِشَارِ هَذَا التَّدَيُّنِ الشَّكْلِيِّ، فَتَرَى البَعْضَ يَأْخُذُونَ بِبَعْضِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ التِي تَهْتَمُّ بِجَانِبِ العِبَادَاتِ، كَالصِّيَامِ وَالحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِها، وَيَظُنُّونَ أَنَّ المُهِمَّ هُوَ أَدَاءُ العِبَادَاتِ فَقَطُ، وَلَا يَعْبَأُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ التِي تَهْتَمُّ بِجَانِبِ المُعَامَلَاتِ أَوْ السُّلُوكِ.

وَالوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ بَقِيَّةَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ لَأَدْرَكَ خُطُورَةَ إِهْمَالِ المُعَامَلَاتِ وَالأَخْلَاقِ، وَأَنَّ قَبُولَ العِبَادَاتِ مُقَـيَّدٌ بِمَا يُصَاحِبُهَا مِنْ مُعَامَلَاتٍ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].

وَعِلَاجُ التَّدَيُّنِ الظَّاهِرِيِّ وَالانْفِصَامِ النَّكِدِ بَيْنَ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ يَكُونُ بِالْتَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ وَأَخْذِهِ مِنْ مَصَادِرِهِ المُعْتَبَرَةِ وَالعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ، وَأَنْ يَكُونَ الفَهْمُ قَبْلَ العَمَلِ، وَالوَعْيُ قَبْلَ السَّعْيِ، فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَفْهَمَ مَاهِيَّةَ مَا يَلْتَزِمُهُ وَيَسْعَى لِفَهْمِ مَرَاتِبِ الأَعْمَالِ وَالأَوْلَوِيَّاتِ حَتَّى لَا يَأْتِيَ بِنَافِلَةٍ عَلَى حِسَابِ فَرِيضَةٍ أَوْ وَاجِبٍ، أَوْ أَنْ يَتَشَدَّدَ فِي أَمْرٍ فِيهِ سَعَةٌ وَخِلَافٌ فِقْهِيٌّ، كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الدُّعَاةِ وَالعُلَمَاءِ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ عَلَيْهِمْ عِبْئاً مُضَاعَفاً وَأَمَانَةً يَجِبُ أَلَّا يَخُونَهَا، وَأَنْ يَكُونَ نِعْمَ القُدْوَةِ لِغَيْرِهِمْ، فَإِذَا أَسَاءُوا أَسَاءُوا  لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلَى الدِّينِ مَعَاً، فَلْيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى قَدْرِ المَسْئُولِيَّةِ وَالأَمَانَةِ.

مقالات مشابهة

الانْفِصَامُ النَّكِدُ بَيْنَ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ

منذ 0 ثانية

أ. وفا محمود عياد - خطيب بوَزارة الأوقاف

حَتْمِيَّةُ مُواجَهَةِ التَّطَرُّفِ الفِكْرِيِّ

منذ 1ثانية

د. نمر أبـو عـــون - خطيب بوزارة الأوقاف

الإِمامُ حَسَنُ البَنَّا مُجَدِّداً

منذ 2 دقيقة

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

"وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِّسَانِي"

منذ 4 دقيقة

أ. نصر فحجان - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الانْفِصَامُ النَّكِدُ بَيْنَ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ

منذ 0 ثانية4406
حَتْمِيَّةُ مُواجَهَةِ التَّطَرُّفِ الفِكْرِيِّ

منذ 1ثانية2617
كيف نضع خطة العام الدعوية؟

منذ 9 ثانية8750
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi