شريط الأخبار

اسْتِعْلاءُ الإِيمَانِ .. لا يُطاوِلُهُ الطُّغْيانُ

أ. صهيب الكحلوت - خطيبٌ بوَزارةِ الأَوْقاف منذ 0 ثانية 3315

الإِيمَانُ الرَّاسِخُ يَسْكُبُ فِي النَّفْسِ يَقِيناً عَظِيماً، وَلا يَزالُ المُؤْمِنُ كَرِيماً عَلى رَبِّهِ ما دامَ فِي صُعودِ الإِيمانِ، فَتُصْبِحُ القُلُوبُ مُطْمَئِنَّةً فِي ساعَةِ الخَوْفِ، وَالأَنْفُسُ راضِيَةً فِي ساعَةِ الكَرْبِ، وَما ذاكَ إِلَّا لِمَنْ حَقَّقَ الإِيمانَ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ مَعانِيهِ السَّامِيَةُ، قال تَعالى: ﴿الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيْمَانًا، وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ [آل عمران:173].

وَكُلَّمَا حَقَّقَ المَرْءُ الإِيمانَ، وَازْدَادَ فِي رُوعِهِ، وَتَنامَى فِي أَحْوالِهِ، كُلَّما كانَ مُسْتَعْلِيَاً بِهِ، شامِخاً عَزِيزاً كَرِيماً مُهاباً، لا تَثْنِيهِ العَواصِفُ، وَلا تَحْنِيهِ الكُرُباتُ، قال تَعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:139].

وَحَقِيقٌ بِالمُؤْمِنِ الصَّادِقِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مَعْمُوْرَاً بِحَقِيقَةِ أَنَّ اللهَ تَعالى ناصِرُهُ، لا يُسْلِمُهُ إلى عَدُوِّهِ وَلا يَخْذُلُهُ، مُطْمَئِنَّاً أَنَّ اللهَ لا يَخْتارُ لَهُ إِلَّا ما يَنْفَعُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ مَوْلاهُ أَعْلَمُ مِنْهُ ما يَصْلُحُ لَهُ فِي دُنْياهُ وَأُخْراهُ، فَأَمْرُهُ نافِذٌ، وَحُكْمُهُ عادِلٌ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ مَقالِيدُ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ رَهْنُ أَمْرِهِ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، لا يَكْشِفُ البَلْوَى وَلا يَرْفَعُ الضِّيقَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ جَلَّ شَأْنُهُ، قال تَعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [يونُس:107].

وَبِهَذا يُدْرِكُ مَنِ اكْتَسَبَ هَذا الشَّرَفَ العَظِيمَ، أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ جَرَى بِأَمْرِ اللهِ وَأَنَّ تَقادِيرَهُ تَعالى كُلَّها خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ، فَالعَاقِبَةُ الحَسَنَةُ لَهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، فَيَنْبَنِي عَلى ذَلِكَ الاسَتِعْلاءُ وَالشُّمُوخُ وَالصَّبْرُ وَالثَّباتُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ يَأْوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَمُعْتَصَمٍ قَوِيٍّ أَكِيدٍ، هَذا الاسْتِعْلاءُ الذِي يَجْعَلُ الحَقِيقَةَ الإِيْمَانِيَّةَ فِي نَظَرِ صاحِبِها أَقْوَى وَأَعْظَمَ مِنْ كُلِّ ما مَلَكَ النَّاسُ وَمِنْ كُلِّ ما جَمَعَ النَّاسُ وَحَشَدُوا!.

تِلْكَ الحَقِيقَةُ الإِيْمَانِيَّةُ التِي سَكَبَتْ إِيماناً عَظِيماً وَيَقِيناً راسِخَاً فِي قَلْبِ إِبْراهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-، فَأَوْكَلَ كُلَّ أَمْرِهِ إِلى رَبِّهِ مُتَيَقِّنَاً أَنَّهُ لَنْ يَخْذُلَهُ فِي ساعَةِ الكَرْبِ حَيْثُ أَرادَ أَعْداءُ دَعْوَتِهِ أَنْ يُنَكِّلُوا بِهِ فِي مَوْتِهِ فَأَوْقَدُوا لَهُ النَّارَ المُحْرِقَةَ فِي عُرْفِ البَشَرِ، فَقالَ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، أَيْ يَكْفِينِي اللهُ دُونَ الخَلْقِ كُلِّهم بِكُلِّ ما مَلَكُوا، بِكُلِّ بَأْسِهم، بِكُلِّ صَلَفِهم وَغُرُورِهم وَتَآمُرِهم، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ النَّارَ المُحْرِقَةَ بَرْدَاً وَسَلامَاً، إِنَّهُ أَمْرُ اللهِ الذِي لَهُ الأَمْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ.

هِيَ الحَقِيقَةُ التِي شَمَخَتْ بِها نَفْسُ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَكانَتْ مِنْ أَكْمَلِ نِساءِ العالَمِينَ، اسْتَعْلَتْ بِإِيمانِها وَهِيَ تَحْتَ الطَّاغِيَةِ حَيْثُ الصَّلَفُ وَالظُّلْمُ، وَالبَهارِجُ وَالمَفاتِنُ، فَلَمْ يُثْنِها طُغْيانُ فِرْعَوْنَ وَجَبَرُوتُهُ، وَلَمْ يَحْرِفْها طُغْيانُ المادَّةِ عَنْ دِينِها وَحُبِّها لِرَبِّها وَتَطَلُّعِها لِما هُوَ أَعْظَمُ وَأَبْقَى، قال تَعالى: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتَاً فِي الجَنَّةِ، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم:11]، فَكَانَتْ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي كِتابِ اللهِ يُتْلَى إلى يَوْمِ الدِّينِ!.

الحَقِيقَةُ الغالِيَةُ التِي عَبَّرَ عَنْها ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كُلِّ مُؤَامَرَةٍ عَلَيْهِ حِينَ مَلَكَتْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَقالَ: "ماذا يَصْنَعُ أَعْدَائِي بِي، إِنَّ سَجْنِي خَلْوَةٌ، وَنَفْيِي سِياحَةٌ، وَقَتْلِي شَهادَةٌ، وَعَبَّرَ عَنْها سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ الذِينَ هَداهُمُ اللهُ تَعالى لِلْحَقِّ بَعْدَما تَوَعَّدَهُم فِرْعَوْنُ بِتَقْطِيعِ الأَطْرَافِ وَالصَّلْبِ وَالنَّكَالِ إِذْ سَخِرُوا مِنْهُ، قالَ تَعالى: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ، إِنَّما تَقْضِي هَذِهِ الحَياةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا﴾ [طه:72]، وَعَبَّرَ عَنْها سَيِّدُ قُطُب وَهُوَ يُساقُ إِلى المَشْنَقَةِ حَيْثُ أَنْطَقَهُ إِيْمَانُهُ، فَقالَ: "إِنَّ أُصْبُعَ السَّبَّابَةِ الذِي يَشْهَدُ للهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فِي الصَّلاةِ لَيَرْفُضُ أَنْ يَكْتُبَ حَرْفَاً واحِدَاً يُقِرُّ بِهِ حُكْمَ طاغِيَةٍ!"، أَلَا فَلِنُحَقِّقِ الإِيْمانَ وَلِنُرَسِّخْهُ فِي القُلُوبِ وَالأَحْوَالِ؛ فَإِنَّهُ لا تَقْهَرُهُ قُوَّةٌ، وَلا يَحْنِي أَهْلَهُ صَلَفٌ وَطُغْيانٌ.

مقالات مشابهة

اسْتِعْلاءُ الإِيمَانِ .. لا يُطاوِلُهُ الطُّغْيانُ

منذ 0 ثانية

أ. صهيب الكحلوت - خطيبٌ بوَزارةِ الأَوْقاف

مُمَارَسَةُ النَّقْدِ بَيْنَ الإِيجَابِ وَالسَّلْبِ

منذ 3 دقيقة

د. عبد رب النبي فتحي أبو سلطان - خطيب بوَزارة الأوقاف

العَوْدَةُ إلى اللهِ سَبِيلُ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ

منذ 3 دقيقة

أ. محمد أحمد كلاب - خطيب بوزارة الأوقاف

وَحْدَةُ الصَّفِّ.. فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ وَطَنِيَّةٌ

منذ 3 دقيقة

أ. بلال يوسف اللحام - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

اسْتِعْلاءُ الإِيمَانِ .. لا يُطاوِلُهُ الطُّغْيانُ

منذ 0 ثانية3315
مسجد الأبرار - الشابورة

منذ 25 ثانية3277
حملة دعوية مسجدية بعنوان: (ذكر الله حياة)

منذ 39 ثانية4393
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi