
المَنْهَجُ الأَعْرَجُ الأَعْوَجُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ، وَالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْجَدَ جِيلاً مَمْسُوخاً مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ؛ يَتَقَبَّلُ الخِلَافَ الوَاقِعَ فِي عَدَدٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ التِي هِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَرُكْنُ الإِسْلَامِ الرَّكِينُ، وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، عِنْدَ سَوْقِ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَصَحِّ بِاسْتِحْبَابِ اللِّحْيَةِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ تَحْسِينِيِّ الشَّرِيعَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً!
لَا يَظُنَّنَّ أَحَدٌ أنَّنِي أَسُوقُ مَا سَبَقَ مِنَ السُّطُورِ بِقَصْدِ الاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ اللِّحْيَةِ، أَوْ لِلِانْتِصَارِ لِمَذْهَبِ القَائِلِينَ بِاسْتِحْبَابِهَا؛ فَإِنَّ النَّظَرَ فِي اسْتِدْلَالَاتِ الثِّقَاتِ السَّابِقِينَ فِيهَا يُؤَكِّدُ أَنَّهَا لَا تَعْدُو كَوْنَهَا مَسْأَلَةً فَرْعِيَّةً يَسُوغُ الخِلَافُ فِيهَا، وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا.
إِنَّ الخَطَرَ الذِي يَنْبَغِي دَقُّ نَاقُوسِهِ هُوَ مَنْهَجُ بَعْضِ المَدَارِسِ الفِقْهِيَّةِ الشَّلَّاءِ الشَّوْهَاءِ الذِي قَامَ عَلَى تَضْخِيمِ جُمْلَةٍ مِنَ المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ الفُرُوعِيَّةِ حَتَّى تَوَهَّمَ بَعْضُ الشَّبَابِ أَنَّهَا مِنْ أُصُولِ الأُصُولِ، وَإِنَّ المُخَالِفَ فِيهَا فَاسِقٌ مُبْتَدِعٌ، أَوْ ضَالٌّ مُضِلٌّ، أَوْ كَافِرٌ مَارِقٌ مِنَ الدِّينِ!
وَرَكَّزَ عَلَى عَدَدٍ مِنَ الكِتَابَاتِ الفِقْهِيَّةِ التُّرَاثِيَّةِ، وَرَاحَ يَسْتَنْسِخُ مَا فِيهَا مِنَ اجْتِهَادَاتٍ قَدِيمةٍ دُونَ مُرَاعَاةِ السِّيَاقَاتِ التَّارِيخِيَّةِ، وَالسِّبَاقَاتِ الحَضَارِيَّةِ المُؤَثِّرةِ، حَتَّى ظَهَرَ جِيلٌ يَسْتَدِلُّ بِالْفِقْهِ عَلَى الفِقْهِ، وَيَعْرِفُ الحَقَّ بِالرِّجَالِ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أُولَئِكَ القَصَّاصِينَ الذِينَ أَمْسَوْا يُبَرِّرُونَ لِوَلِيِّ الأَمْرِ كُلَّ مَا فَعَلَ، وَلَوْ كَانَ سَفْكاً لِدَمِ مَعْصُومٍ، أَوْ هَتْكاً لِعِرْضِهِ، أَوْ عُدْوَاناً عَلَى آدَمِيَّتِهِ!
إِنَّ هَذِهِ المَنْهَجِيَّةَ هِيَ أَشَدُّ أَسْبَابِ التَّدَيُّنِ المَغْشُوشِ الذِي يُدَافِعُ عَنِ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكِ -وَهُمَا مِنَ الدِّينِ- وَيُحَارِبُ الكَرَامَةَ، وَالحُرِّيَّةَ، وَالعَدَالَةَ الاجْتِمَاعِيَّةَ؛ بِدَعْوَى كَوْنِهَا مِنَ البِدَعِ المُحْدَثَةِ، وَالمَصَائِبِ المُسْتَحْدَثَةِ!
إِنَّ أُلُوفَ الشَّبَابِ اليَوْمَ تَائِهُونَ بَيْنَ الغُلُوِّ وَالجُفُوِّ، وَالانْحِرَافِ وَالانْجِرَافِ؛ بِسَبَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الذِينَ صُدِّرُوا إِلَى فَضَاءَاتِ الإِعْلَامِ مِمَّنْ فَقَدُوا المَنْهَجِيَّةَ السَّلِيمَةَ، أَوْ كَانُوا جُزْءاً مِنْ مَنْظُومَةٍ خَبِيثَةٍ تَسْعَى لِلْقَضَاءِ عَلَى مَا تَبَقَّى مِنْ فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَلَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ.