شريط الأخبار

تحديد مفهوم الغلو ضرورة لمعالجة الغلو

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي منذ 0 ثانية 3397

يُعد الغلو مرضاً من أمراض الصحوة الإسلامية المعاصرة، ولاسيما عند الشباب، بل المتأمل في واقعنا المعاصر، يكتشف أن المشكلة ليست قاصرة على المسلمين، بل أصبحت من السمات الظاهرة في هذا العصر، إذ صار في كل بلد وفي كل حضارة طوائف عرفت بتلك الأعمال، وتختلف طبيعة كل فئة بحسب الحضارة، أو الدين والمذهب الذي يعتنقه أفرادها، بل على الصعيد الإسلامي لم تعد المشكلة قاصرة على بلد واحد، بل أصبحت مشكلة عالمية تشمل جميع أرجاء الوطن الإسلامي، والمشكلة مطروحة على الساحة في كثير من البلاد الإسلامية، لكنها تتفاوت في الحدة، فهي في بعض البلدان أكبر وأظهر من البعض الآخر، وهذا يعود إلى قوة العوامل المسببة لهذه المشكلة وضعفها في كل بلد من البلاد الإسلامية.

وإذا كان لا أحد يختلف على أن الغلو مشكلة تحتاج إلى علاج، إلا أن تحديد مفاهيم الغلو مقدمة ضرورية للعلاج، حيث لوحظ أن هناك إسراف في استعمال هذا المصطلح حيث يؤدي بنا للوقوع في الغلو في حكمنا على بعض ويصبح هذا الحكم تهمة أكثر منه حقيقة.

إن العلم بحقائق الأشياء والوعي بمفاهيمها يُعد مدخلاً أساسياً لتضييق دائرة الخلاف، أو إزالته، إذ ما تكاد نجد خلافاً في حكم إلا ومن ورائه اختلاف أو سوء فهم أو جهل بحقيقة الأمر المختلف فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة ومعان مشتبهة، حتى نجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره، فضلاً عن أن يعرف دليله" [الفتاوى ج 12ص114]، فأحكام الناس على الأفكار أو على الأشخاص عائدة إلى التصور، وفي المأثور من أقوال أسلافنا "الحكم على الشيء فرع من تصوره".

أما الغلو فمعناه في اللغة مجاوزة الحد، وفي الشرع مجاوزة الحد الشرعي من كلام الله عز وجل أو كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذه المجاوزة قد تفضي للوقوع في الحرام أو المكروه أو مخالفة سنة.

والغلو هو اللفظ الشرعي الصحيح في مقابل المصطلح الإعلامي المعاصر (التطرف)، وقد جاء هذا اللفظ في كتاب الله -عز وجل- في مواضع كثيرة، قال الله عز وجل: ﴿يَا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلاَّ الحَقَّ﴾ [النساء:171]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ ولا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيراً وضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة:77].

أما التطرف -وإن كان صحيحاً من حيث اللغة- يعني أخذ طرف الشيء ومنتهاه وغايته، لكنه ليس من المصطلحات الشرعية فهو لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية وأكثر من يستخدمه العلمانيون دون أن يلتزموا بالموضوعية في هذا الاستخدام إطلاقاً، فهم لم يحددوا أولاً ما هو التطرف؟ بل يريدون أن يبقى  لفظاً غامضاً مائعاً فضفاضاً يحاولون إضافته وإلصاقه بخصومهم سواء أكانت خصومة سياسية أو فكرية أو شرعية أو حتى خصومة شخصية أحياناً، كما أنهم  لا يريدون أن يكون لهذا المصطلح معنى خاص به حتى يسهل عليهم تقليبه كيف شاءوا، فهم اليوم يصفون به هذه الفئة وغداً يطلقونه على تلك الفئة الأخرى، واليوم يصفون هؤلاء بالتطرف، وغداً بالاعتدال، وفي نظر هؤلاء يمكن أن يوظف مصطلح التطرف أحياناً في مواجهة بعض المواقف السياسية.

والتطرف مصطلحًا يضاد مصطلح (الوسطية) الذي هو من الوسط (الواقع بين طرفين)، كما يقول الأصبهاني في مفردات غريب القرآن. وهو يحمل في طياته معنى العدل. وفي القرآن الكريم ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا﴾ [آل عمران:143]، أي أمة عدل، وعلى هذا فإن من تجاوز حد الاعتدال يصح أن يوصف بالتطرف، كما جاء في معجم الوسيط، وعلى هذا فإن الغلو والتطرف يلتقيان عند مجاوزة الحد، والنصوص الإسلامية تدعو إلى الاعتدال، وتحذر من التطرف، الذي يعبر عنه في لسان الشرع بعدة ألفاظ منها: (الغلو) و(التنطع) و (التشديد).

روى الإمام أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجه في سننهما، والحاكم في مستدركه عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »إيّاكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين« [رواه أحمد]، وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: »هلك المتنطعون قالها ثلاثا« [رواه مسلم]، قال الإمام النووي: أي المتعمقون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

مقالات مشابهة

تحديد مفهوم الغلو ضرورة لمعالجة الغلو

منذ 0 ثانية

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

خصائص الفكر الإسلامي

منذ 12 دقيقة

د. يوسف علي فرحات

تجديد الفكر الإسلامي بين الجمود والجحود

منذ 15 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

علامات القلب السليم

منذ 29 دقيقة

د. يوسف على فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

تحديد مفهوم الغلو ضرورة لمعالجة الغلو

منذ 0 ثانية3397
الأعياد في الإسلام طُهْرٌ وتواصلٌ وأفراح

منذ 1دقيقة3460
مسجد الرحمة - حي الأمل

منذ 1دقيقة3911
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi