شريط الأخبار

لِماذا تَهْفُو قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ إلى الحَجِّ حَتَّى بَعْدَ انْتِهاءِ المَوْسِمِ؟

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف منذ 0 ثانية 2759

فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبارَكَةِ مِنْ كُلِّ عامٍ، وَمَعَ حُلُولِ أَشْهُرِ الحَجِّ المَعْلُوماتِ التِي ذَكَرَها اللهُ تَعالى فِي كِتابِهِ الكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة:197]، تَهْفُو قُلُوبُ المَلايِينِ مِنَ المُؤْمِنِينَ إلى زِيارَةِ أَطْهَرِ بِقاعِ الأَرْضِ، وَتَطِيرُ أَفْئِدَةُ الذِينَ مَنَعَتْهُمُ الأَعْذارُ المادِّيَّةُ أوِ المَعْنَوِيَّةُ إلى تِلْكَ الأَماكِنِ المُقَدَّسَةِ؛ لِتَتَلَمَّسَ هُناكَ شَيْئاً مِنْ إِيمانِيَّاتِ الحَجِّ وَنَسَماتِهِ الرُّوحِيَّةِ.

قَدْ يَسْتَغْرِبُ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِينَ هَذِهِ المَشاعِرَ الفَيَّاضَةَ وَتِلْكَ الأَحاسِيسَ المُرْهَفَةَ، وَقَدْ يَتَعَجَّبُ بَعْضُ المُسْلِمِينَ -مِمَّنْ لَمْ يَتَذَوَّقُوا بَعْدُ حَقِيقَةَ حَلاوَةِ الطَّاعَةِ وَلَذَّةِ العِبادَةِ- ذَلِكَ الشَّوْقَ وَالحَنِينَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ إلى مَكَّةَ وَالكَعْبَةِ وَسائِرِ المَناسِكِ المُقَدَّسَةِ، فَهُمْ لا يَرَوْنَ فِي أَداءِ الرُّكْنِ الخامِسِ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ إلَّا الكُلْفَةَ المادِّيَّةَ وَالجُهْدَ البَدَنِيَّ وَالحِرْمانَ مِنْ مُتَعِ الحَياةِ وَشَهَواتِها!

وَمِنْ هَذِهِ الزَّاوِيَةِ المادِّيَّةِ الضَّيِّقَةِ يَتَساءَلُ أَمْثالُ هَؤُلَاءِ: لِماذا تَهْفُو قُلُوبُ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إلى الحَجِّ ؟

وَالحَقِيقَةُ أنَّ الجَوابَ عَلى هَذا السُّؤالِ مِنَ السُّهُولَةِ بِمَكانٍ لِمَنْ طَلَبَ الحَقَّ عَلى الحَقِيقَةِ، وَابْتَعَدَ عَن المُكابَرَةِ أَو المُعانَدَةِ، وَيُمْكِنُ اخْتِصارُ الجَوابِ فِيما يَلِي:

- تَلْبِيَةً لِنِداءِ إِبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ الذِي أَمَرَهُ اللهُ تَعالى أَنْ يُنادِيَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَقالَ تَعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحَجّ:27]، وَامْتِثالاً لِأَمْرِ اللهِ تَعالى لِعِبادِهِ بِأَداءِ مَناسِكِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران:97]، وَاقْتِداءً بِخاتَمِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذِي حَجَّ بَيْتَ اللهِ الحَرامِ مَعَ أَصْحابِهِ مُخاطِباً إِيَّاهُم وَأُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ؛ فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَدَعُوهُ» [صَحِيح مُسْلِم].

- بَحْثاً عَن السَّعادَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ الحَقِيقِيَّةِ التِي لا يُمْكِنُ أنْ يَنالَها الإِنْسانُ عَلى وَجْهِ هَذِهِ الأَرْضِ إِلَّا بِطاعَةِ اللهِ تَعالى وَعِبادَتِهِ، تِلْكَ السَّعادَةُ التِي يَسْتَشْعِرُها حُجَّاجُ بَيْتِ اللهِ الحَرامِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظاتِ أَداءِ هَذه الفَرِيضَةِ العَظِيمَةِ، مُنْذُ خُرُوجِهِم مِنْ بُيُوتِهِم وَحَتَّى الانْتِهاءِ مِنْ آخِرِ مَنْسَكٍ مِنْ مَناسِكِ الحَجِّ.

تِلْكَ السَّعادَةُ التِي يَبْحَثُ عَنْها أَبْناءُ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- جَمِيعاً وَيَسْعَوْنَ إِلَيْها، فَيُشَرِّقُونَ وَيُغَرِّبُونَ ثُمَّ لا يَجِدُونَها عَلى الحَقِيقَةِ إِلَّا فِي رِحابِ الإِيمانِ وَمِحْرابِ العُبُودِيَّةِ للهِ تَعالى وَحْدَهُ، بَعْدَ أَنْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ السُّبُلُ فِي البَحْثِ عَنْها فِي كَثْرَةِ المالِ أوْ عِزِّ الجاهِ أوِ الوُلُوجِ فِي حَمَأَةِ الشَّهَواتِ دُونَ جَدْوَى أَوْ فائِدَةٍ .

-طَلَبَاً لِمَغْفِرَةِ اللهِ تَعالى وَعَفْوِهِ: فَمِنَ المَعْرُوفِ أَنَّ الحَجَّ مِنْ أَعْظَمِ العِباداتِ المُكَفِّرَةِ لِلْذُّنُوبِ وَالخَطايا، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَبَرَ الحَجَّ الخالِيَ مِنَ الرَّفَثِ وَالفُسُوقِ وَسِيلَةً لِتَطْهِيرِ صَحِيفَةِ الحاجِّ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطايا بِحَيْثُ يَعُودُ مِنْ حَجِّهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، لا ذَنْبَ عَلَيْهِ وَلا إِثْمَ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [صَحِيح البُخارِيِّ/ ح:1521]، وَفِي رِوايَةِ مُسْلِمٍ: «مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [صَحِيح مُسْلِم/ ح:3357].

- طَمَعاً بِالْجَنَّةِ التِي وَعَدَ اللهُ تَعالى بِها الحَجَّ المَبْرُورَ عَلى لِسانِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ عَنْ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ -رضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُما مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطايا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزاءٌ إِلَّا الجَنَّةَ» [صَحِيح الجامِعِ لِلْأَلْبانِيِّ].

كَثِيرَةٌ هِيَ مَشاعِرُ الشَّوْقِ وَالحَنِينِ التِي تُعَبِّرُ عَنْها الآهاتُ وَالدُّمُوعُ التِي تَذْرِفُها عُيُونُ كَثِيرٍ مِنَ المَحْرُومِينَ مِنْ أَداءِ مَناسِكِ الحَجِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مِنْ هَذا العامِ وَفِي كُلِّ عامٍ، وَهُمْ فِي الحَقِيقَةِ مَعْذُورُونَ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ عَرَفَ مَنْزِلَةَ الحَجِّ وَمَكانَتَهُ فِي دِينِ اللهِ الإِسْلامِ، وَمَنْ ذاقَ حَلاوَةَ مُناجاةِ اللهِ فِي تِلْكَ البِقاعِ الطَّاهِرَةِ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِعَظِيمِ الثَّوابِ الذِي أَعَدَّهُ اللهُ تَعالى لِلْحاجِّ وَالمُعْتَمِرِ لَنْ يَسْتَغْرِبَ أَوْ يَتَساءَلَ: لِماذا تَهْفُو قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ إِلى الحَجِّ؟

مقالات مشابهة

وَاجِبُنَا فِي الشَّدَائِدِ

منذ 1دقيقة

د. محمد سليمان الفرا - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

قَانُونُ السَّعَادَةِ

منذ 2 دقيقة

أ. علي جمال المنشاوي - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

لِماذا تَهْفُو قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ إلى الحَجِّ حَتَّى بَعْدَ انْتِهاءِ المَوْسِمِ؟

منذ 0 ثانية2759
مسجد العجمي - حي الزيتون

منذ 52 ثانية3432
وَاجِبُنَا فِي الشَّدَائِدِ

منذ 1دقيقة2706
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi