الاسْتِغْفَارُ هُوَ طَلَبُ المَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ تَعَالى بِالْلِّسَانِ وَالقَلْبِ مَعًا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ وَالأَحْوَالِ، خَاصَّةً بَعْدَ العِبَادَاتِ،؛ لِيَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالفَرَاغِ مِنَ الوُقوُفِ بِعَرَفَاتٍ، وَحَالَ خَتْمِ المَجَالِسِ، وَأَوْقَاتِ السَّحَرِ، وَفِي الكِبَرِ، وَخِتَامِ العُمُرِ، وَكَانَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالى فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ -سَبْعِينَ مَرَّةً– كَمَا رَوَى البُخَارِيُّ – وَمِائَةَ مَرَّةً – كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ، وَشَرْطُ قَبُولِهِ هُوَ الإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ المُسْتَغْفَرِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَالاسْتِغْفَارُ بِالْلِّسَانِ مَعَ اسْتِمْرَارِ فِعْلِ الذِّنْبِ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ.
وَالاسْتِغْفَارُ دَأْبُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقَدْ حَكَى القُرْآنُ الكَرِيمُ عَنْهُمْ ذَلِكَ، فَآدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأَعْرَاف:23]، وَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نُوح:28]، وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إِبْرَاهِيم:41]، وَسُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأَعْرَاف:151]، وَأَمَرَ اللهُ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِهِ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [مُحَمَّد:19]، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْصَّبْرِ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْ أَعْدَائِهِ، وَاعِدًا إِيَّاهُ بِتَحْقِيقِ مَا وَعَدَهُ بِهِ مِنَ الفَرَجِ، مُقْرِنًا ذَلِكَ بِأَمْرِهِ بِالاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ؛ لِمَا لَهُ مِنْ عَظِيمِ الأَثَرِ فِي تَفْرِيجِ الكُرُوبِ وَتَحْقِيقِ المَطْلُوبِ، فَقَالَ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [غافِر:55].
وَمِنْ عَظِيمِ مَا وَعَدَ بِهِ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ عَادًا -إِنْ هُمُ اسْتَغْفَرُوا رَبَّهُمْ وَأَنَابُوا إِلَيْهِ بِالْتَّوْحِيدِ- كَثْرَةُ الخَيْرَاتِ، وَازْدِيَادُ قُوَّتِهِمْ، رُغْمَ كَوْنِهِمْ أَصْحَابَ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هُـود:52]، وَالمَعْنَى: أَنَّهُ رَغَّبَهُمْ فِي الإِيمَانِ الذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالاسْتِغْفَارِ لِأَهَمِّيَّتِهِ بِالْخَيْرِ العَاجِلِ الذِي هُمْ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ لَهُ، فَقَالَ: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾، أَيْ: المَطَرَ الذِي هُوَ أَسَاسُ الحَيَاةِ لِلْإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأَنْبِيَاء:30]، بِالإِضَافَةِ إِلَى مَزِيدِ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّتِهِمْ، أَيْ: إِضَافَةً إِلَى الخَيْرَاتِ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ يَزِيدُكُمْ شِدَّةً مُضَافَةً إِلَى شِدَّتِكُمْ، أَوْ عِزًّا إِلَى عِزِّكُمْ، وَمَعَ الدَّعْوَةِ إِلَى الاسْتِغْفَارِ وَالْوَعْدِ بِالْخَيْرَاتِ وَالقُوَّةِ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ التَّوَلِّي عَنِ الإِيمَانِ الذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالاسْتِغْفَارِ، وَعَدَمِ الثَّبَاتِ فِي سَبِيلِهِ، وَمُوَالَاةِ المُجْرِمِينَ، فَقَالَ: ﴿وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ أَيْ: لَا تُعْرِضُوا عَنِ الإِيمَانِ، وَلَا تَتَوَلَّوْا المُعْرِضِينَ عَنْهُ، وِإِلَّا فَهَذَا هُوَ الإِجْرَامُ بِعَيْنِهِ.
وَمِنْ فَضَائِلِ الاسْتِغْفَارِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالى فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ عَلَى لِسَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ المَغْفِرَةِ، وَالخَيْرَاتِ، وَالمَدِّ بِالْمَالِ وَالوَلَدِ، وَحُسْنِ العَاقِبَةِ، قَالَ تَعَالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ! يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ! وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نُوح:10-12].
وَمِنْ فَضَائِلِ الاسْتِغْفَارِ أَنَّهُ سَبَبُ كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِآخِرَةٍ إِذَا طَالَ المَجْلِسُ فَقَامَ؛ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»، وَقَدْ أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِسَيِّدِ الاسْتِغْفَارِ، وَهُوَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لِكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
فَلْنُكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ قَوْلًا وَعَمَلًا، فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، لِيُفَرِّجَ اللهُ تَعَالى عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَمٍّ وَغَمٍّ.