شريط الأخبار

ما مَوْقِفُ الشَّرْعِ مِنْ حِرْمانِ المَرْأَةِ مِنْ حَقِّها فِي المِيْراثِ والتَّمَلُّكِ؟

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوزارة الأوقاف منذ 0 ثانية 2796

الحَمْدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا رَسُوْلِ اللهِ وآلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ وَاْلَاْهُ، أمَّا بَعْدُ:

فقَدْ حَرَّمَ الإسْلامُ كُلَّ أنْواعِ الظُّلْمِ والجَوْرِ، ومِنْه: أكْلُ أمْوالِ الآخَرِيْنَ بِالْباطِلِ، وعَدَمُ تَوْرِيْثِ النِّساءِ مِنْ تَرِكاتِ أَقارِبِهِنَّ، ولقَدْ أنْصَفَ الإسْلامُ المَرْأَةَ، فَجَعَلَ لَها ذِمَّةً مالِيَّةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِها، فَلَها حَقُّ التَّصَرُّفِ الكامِلِ بِمالِها، سَواءٌ كانَتْ أُمَّاً أوْ زَوْجةً أوْ بِنْتاً أوْ أُخْتاً، ولَها الحَقُّ التَّامُّ فِي دَخْلِها وكَسْبِها وإرْثِها مِنْ أقارِبِها، فَحَقُّها فِي المِيْراثِ هُوَ مِنْ بَعْضِ حُقُوْقِها الشَّرْعِيّةِ.

ولا يَجُوْزُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أنْ يَحْرِمَ المَرْأَةَ مِنْ مِيْراثِها أوْ يَتَحايَلَ فِي ذَلِكَ؛ لأنَّ اللهَ سُبْحانَه وتَعالى قَدْ أوْجَبَ لَها المِيْرَاثَ فِي كِتابِه، ومَنَحَها الحُقُوْقَ المالِيّةَ، ومِنْها حَقُّ المِلْكِيَّة الفَرْديَّة، يَقولُ سُبْحانَه وتَعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء:7]، و﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء:32]، حَيْثُ تُوْجِبُ هذه الآياتُ إعْطاءَ كُلِّ وَارِثٍ حَقَّه فِي مالِ مُوَرِّثِهِ مِنَ الوالِدَيْنِ والأَقْرَبِيْنَ، مِنْ غَيْرِ تَفْرقةٍ بَيْنَ الذُّكُوْرِ والإناثِ، والصِّغارِ والكِبارِ، سَواءٌ أكانَ المالُ المَتْرُوْكُ بَعْدَ الوَفاةِ قَلِيلاً أمْ كَثِيراً.

وهَؤلاءِ الذِيْنَ يَحْرِمُوْنَ النِّساءَ مِنَ المِيْراثِ أوْ يَتَحايَلُوْنَ فِي ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهم خالَفوا الشَّرْعَ المُطَهَّرَ، فقَدْ تَأَسَّوْا بِأَعْمالِ الجاهِلِيّةِ مِنَ الكُفَّارِ، حَيْثُ كانَ الإرْثُ مِنْ حَقِّ الرَّجُلِ فَقَط، وقَدْ حُرِمَتْ مِنْهُ المَرْأةُ والأوْلادُ الصِّغارُ والجَوارِي والبَناتُ، وكانَ هذا الحَقُّ قَدْ خُصَّ بِه الذِيْنَ يَرْكَبُوْنَ الخَيْلَ ويَحْمِلُوْنَ السِّلاحَ.

وبَعْضُ النَّاسِ يَحْرِمُوْنَ المَرْأةَ مِنَ المِيْراثِ، فَتَسْكُتُ عَنْ ذَلِكَ؛ خَوْفاً مِنَ القَطِيْعةِ، فَالْمِيْراثُ مَوْقُوْفٌ عَلى الرِّجالِ، وبَعْضُهُم يُلْجِئُ الوَارِثَ مِنَ النِّساءِ إلى التَّنازُلِ -خاصَّةً الأخَواتُ- مُقابِلَ بَعْضِ المالِ؛ وذَلِكَ حَتَّى لا تَنْتَقِلَ التَّرِكَةُ إلى الغُرَباءِ، حَتَّى أصْبَحَت المَرْأةُ تَعْتَقِدُ أنَّهُ لا حَقَّ لَها فِي المُطالَبَةِ، والتِي تَتَجَرَّأُ عَلى المُطالَبَةِ تُنْبَذُ وتُقاطَعُ، وتُعَدُّ مُخالِفةً لِعادَةِ المُجْتَمَعِ.

بَيْنَما فِي حَقِيْقَةِ الأمْرِ نَجْدُ أنَّ المِيْراثَ حَقٌّ تَولَّى اللهُ قِسْمَتَه، فقال: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾ [النساء:176]، ولَمْ يَكِلْ قِسْمَةَ المَوارِيْثِ إلى أحَدٍ مِنْ خَلْقِه، ولا إلى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، فحَقُّ المَرْأةِ فِي المِيْراثِ يَنْبَغِي أنْ يُحْفَظَ ولا يُضَيَّعَ، ولا يَجُوْزُ أنْ يُسْتَباحَ بِالْحِيَلِ والمَكْرِ، فإنَّ الحِيْلةَ وإنْ نَفَعَتْ فِي الدُّنْيا فَلَنْ تَنْفَعَ صاحِبَها يَوْمَ القِيامَةِ.

وما زالتْ هُناكَ بَعْضُ العاداتِ والتَّقالِيْدِ مِن امْتِهانِ المَرْأةِ وانْتِقاصِها حَقَّها، فَهذِه مِنْ بَقايا الجاهِلِيّةِ، ومِنْ تَخَلُّفِ العُقُوْلِ، فَاللهُ سُبْحانَه وتَعالى يَزِنُ النَّاسَ ذَكَرَهم وأُنْثاهُم بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ والتَّقْوى حَيْثُ يَقولُ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحُجُرات:13]، فلا يَجُوْزُ ظُلْمُ النِّساءِ واحْتِقارُهُنَّ، وأشَدُّ ما يَكُوْنُ الظُّلْمُ مِنَ القَرِيْبِ، فَهِيَ ضَعِيْفَةٌ؛ قَدْ يَظْلِمُها زَوْجُها، ثُمَّ يَأْتِي أبُوْها ويَظْلِمُها، ثُمَّ يَأْتِي أخُوْها ويَظْلِمُها، فَأَيْنَ تَذْهَبُ؟

والزَّواجُ فِي الإسْلامِ لا يُفْقِدُ المَرْأَةَ حَقَّها فِي التَّمَلُّكِ، بَلْ تَظَلُّ المَرْأةُ المُسْلِمَةُ بَعْدَ زَواجِها مُحْتفِظةً بِاسْمِها واسْمِ أُسْرتِها، وَبِكامِلِ حُقُوْقِها المَدَنِيَّةِ وبِأَهْلِيَّتِها فِي تَحَمُّلِ الالْتِزاماتِ، وإجْراءِ مُخْتلِفِ العُقُوْدِ، مِنْ بَيْعٍ وشِراءٍ ورَهْنٍ وهِبَةٍ ووَصِيّةٍ وغَيْرِه، ومُحْتفِظةً بِحَقِّها فِي التَّمَلُّكِ تَمَلُّكاً مُسْتقِلّاً، فَلِلْمَرْأةِ المُتَزَوِّجةِ فِي الإسْلامِ شَخْصِيَّتُها المَدَنِيَّةُ الكامِلَةُ، وثَرْوَتُها الخاصَّةُ المُسْتَقِلَّةُ عَنْ شَخْصِيّةِ زَوْجِها وثَرْوَتِهِ.

ولا يَجُوْزُ لِلْزَّوْجِ أوْ غَيْرِهِ أنْ يَأْخُذَ شَيْئاً مِنْ مالِها، قال سُبْحانَه وتُعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء:20]، وقال: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ [البقرة:229].

وإذا كانَ لا يَجُوْزُ لِلْزَّوْجِ أنْ يَأْخُذَ شَيْئاً مِمَّا سَبَقَ أنْ آتاهُ لِزَوْجَتِهِ، فَلا يَجُوْزُ لَهُ مِنْ بابِ أوْلَى أنْ يَأْخُذَ شَيْئاً مِنْ مِلْكِها الأصِيْلِ، إلَّا أنْ يَكُوْنَ هذا أوْ ذاكَ بِرِضاها، وعَنْ طِيْبِ نَفْسٍ مِنْها، وفِي هذا يَقُوْلُ سُبْحانَه وتَعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء:4].

فَلا يَحِلُّ لِلْزَّوْجِ أوْ غَيْرِه كَذلِكَ أنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنَ أمْوالِها، إلَّا إذا أَذِنَتْ لَهُ بِذلِكَ، أوْ وَكَّلَتْهُ فِي إجْراءِ عَقْدٍ بِالْنِّيابَةِ عَنْها.

مقالات مشابهة

آدَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ

منذ 6 دقيقة

أ. محمد البنا - خطيب بوَزارة الأوقاف

كَيْفَ نَنْجَحُ فِي تَغْيِيرِ واقِعِنا؟

منذ 6 دقيقة

أ. راني أحمد العدلوني - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

الإخلاص

منذ 6 دقيقة

د. عبد الباري محمد خلة - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

ما مَوْقِفُ الشَّرْعِ مِنْ حِرْمانِ المَرْأَةِ مِنْ حَقِّها فِي المِيْراثِ والتَّمَلُّكِ؟

منذ 0 ثانية2796
اختلاف نية الإمام والمأموم

منذ 1دقيقة3987
خصائص الفكر الإسلامي

منذ 1دقيقة8102
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi