شريط الأخبار

هَكَذا جَعَلُونِي مُفْطِرًا!

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف منذ 0 ثانية 2655

مِنَ العَادَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ التِي تَقْتَرِبُ مِنَ الانْقِراضِ فِي غَزَّةَ، والتِي أَتَمَنَّى أنْ تَنْقَرِضَ مِنْ بَقِيَّةِ بُلْدانِ العالَمِ الإسْلامِيِّ، عادَةُ سَيْلِ الأَسْئِلَةِ التِي كُنَّا نَسْمَعُها فِي بِدايةِ شَهْرِ رَمَضانَ كُلَّ عامٍ حَوْلَ المُفْطِراتِ، مِثلُ: هَلْ يُفَطِّرُ مَعْجُونُ الأسْنانِ الصَّائِمَ؟ وهَلْ قَطْرَةُ الأَنْفِ والأُذُنِ مِنَ المُفَطِّراتِ؟ وهَل القُبْلَةُ تُبْطِلُ الصِّيامَ؟ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْئِلَةِ المَعْرُوفَةِ والمُتَكَرِّرَةِ، ولَعَلَّ أحَدَ أسْبابِ انْقِراضِها هُوَ الوَعْيُ الفِقْهِيُّ الذِي تَكَوَّنَ لَدَى النَّاسِ خِلالَ السَّنَواتِ الماضِيَةِ؛ مِمَّا جَعَلَهُمْ يُدْرِكُونَ رُوْحَ الصِّيامِ.

إنَّ الصِّيامَ هُوَ عِبادَةٌ للهِ الذِي يَطَّلِعُ عَلى القُلُوبِ، ونَحْنُ نَصُوْمُ تَقَرُّبًا لِرَبٍّ غَفُورٍ رَحِيمٍ يَتَجاوَزُ عَنِ الخَطَأِ والنِّسْيانِ، بَلْ ويَأْجُرُ عَلَى حُسْنِ النَّوايا، وبِذَلِكَ لَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ أشْبَهَ بِمَهْوُوسٍ يَخْشَى مِنْ دُخُولِ أيِّ شَيْءٍ إلى جَوْفِهِ!

كان مَوْضُوعُ المُفَطِّراتِ يُشْغِلُ جَماهِيرَ المُسْلِمِينَ كُلَّ عامٍ، وقَدْ صارَت الشُّغْلَ الشَّاغِلَ لِلْمُفْتِينَ والوُعَّاظِ، فَالمُفَطِّراتُ التِي ذَكَرَها القُرْآنُ فِي كَلِماتٍ مَعْدُوداتٍ، والتِي مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ تَكُونَ قَلِيلَةً ومَحْصُورَةً، تَوَسَّعَتْ فِيْها بَعْضُ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ حَتَّى بَلَغَتْ أكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مُفَطِّرًا، وصارَ بَعْضُها أشْبَهَ بِالْأَلْغازِ، ومِنْ أمْثِلَةِ ذَلِكَ ما ذُكِرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ أَكَلَ كِنافَةً بِالْلَّيْلِ، فَأَصْبَحَ وفِي فَمِهِ خَيْطٌ مُتَّصِلٌ بِجَوْفِهِ، فَإذا أَكَلَهُ أفْطَرَ، وإذا أَخْرَجَهُ أفْطَرَ؛ لأنَّهُ أشْبَهُ بِالِاسْتِقاءَةِ، وإنْ أبْقاهُ كَما هُوَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ لِاْتِّصالِهِ بِنَجاسَةِ البَاطِنِ، وقَدْ ذَكَرُوا حِيَلًا لِلْخُرُوجِ مِنْ هَذا المَأْزِقِ كَأَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ وهُوَ غافِلٌ، وأَفْتَوْا أيْضًا بِأَنَّ مَنْ طُعِنَ بِسِكِّينٍ، فَدَخَلَ السِّكِّينُ إلى جَوْفِهِ أفْطَرَ، وغَيْرَ ذَلِكَ، [وبِالْإِمْكانِ مُراجَعَةُ ما كَتَبَهُ الشَّيْخُ القَرَضاوِيُّ فِي كِتابِهِ "فِقْهُ الصِّيامِ"].

وهذا شَيْءٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ؛ إذْ ما هذا التَّعْسِيرُ عَلى النَّاسِ فِي أمْرٍ أرادَ اللهُ بِهِ اليُسْرَ ولَمْ يُرِدْ بِهِ العُسْرَ؟! واليُسْرُ كَما هُوَ مُرادٌ للهِ فِي القِيامِ بِالْتَّكْلِيفِ، فإِنَّهُ كَذَلِكَ مُرادٌ فِي فَهْمِهِ؛ لِذَلِكَ كانَت الشَّرِيعَةُ أُمِّيَّةً؛ كَيْ يَفْهَمَها جَمِيعُ المُكَلَّفِينَ عَلى اخْتِلافِ مُسْتَوَياتِهِم العَقْلِيَّةِ والعِلْمِيَّةِ.

لَقَدْ كانَ الأعْرابِيُّ يَأْتِي مِنَ البادِيَةِ؛ لِيَسْأَلَ عَنْ دِيْنِهِ، فَيَتَعَلَّمُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العِباداتِ الشَّعائِرِيَّةَ المُخْتلِفةَ فِي غُضُونِ ساعَةٍ، لَكِنَّ المُسْلِمَ اليَوْمَ أمْسَى بِحاجَةٍ إلى مُدَّةٍ طَويلَةٍ كَيْ يَتَعَلَّمَ فِقْهَ الطَّهارَةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ، وذَلِكَ إذا أرادَ أنْ يُلاحِقَ تَفْصِيلاتِ الفُقَهاءِ، ورُبَما كانَ سِرُّ التَّضَخُّمِ فِي أبْوابٍ فِقْهِيَّةٍ كان المُفْتَرَضُ أنْ تَكُونَ مَحْصُورَةً هُوَ تَضْيِيقَ بَعْضِ الحُكَّامِ عَلى الفُقَهاءِ إذا تَحَدَّثُوا فِي السِّياسَةِ والهَمِّ العامِّ؛ مِمَّا جَعَلَهُمْ يَنْشَغِلُونَ بِتِلْكَ المَسائِلِ تَفْرِيعًا، وتَفْصِيلًا، وافْتِراضًا.

إنَّنا بِحاجَةٍ إلى التَّرْكِيزِ عَلى رُوحِ الصِّيامِ ومَقاصِدِهِ، وهذا الأمْرُ يَزْدَادُ بِفَضْلِ اللهِ، كَما أنَّنا بِحاجَةٍ إلى لَفْتِ انْتِباهِ المُسْلِمِينَ إلى تِلْكَ المُفَطِّراتِ الخَطِيرَةِ التِي لا تُفْسِدُ يَوْمًا بَلْ تُفْسِدُ حَياةَ أُمَّةٍ، كَذلِكَ الحاكِمِ الذِي يُضَيِّعُ مالَ الأُمَّةِ ويُسْلِمُهُ لِأَعْدائِها ويَتْرُكُ الشُّعُوبَ الإسْلامِيَّةُ تَتَضَوَّرُ جُوعًا، أو ذَلِكَ المَسْئُولِ الذِي يَتْرُكُ المُواطِنِينَ يُقاسُونَ الوَيْلاتِ وهُوَ مَشْغُولٌ بِشَأْنِهِ الخاصِّ، وكَذَلِكَ التاجِرِ الذِي يَصُومُ عَن الطَّعامِ، لَكِنَّهُ يُفَطِّرُ أبْناءَ شَعْبِهِ عَلى أطْعِمَةٍ فاسِدَةٍ.

إنَّ رَأْيَ الإمامَيْنِ الأوْزاعِيِّ وابْنِ حَزْمٍ الذِي يَقْضِي بِأَنَّ ارْتِكابَ المَعاصي يُفَطِّرُ الصائِمَ خِلافًا لِرَأْيِ الجُمْهُورِ يَنْبَغِي تَرْوِيجُهُ بَيْنَ النَّاسِ مَعَ عَدَمِ تَبَنِّيْهِ، خاصَّةً مَعَ تِلْكَ المُحَرَّماتِ التِي تَضُرُّ بِمَجْمُوعِ النَّاسِ كَالْرَّشْوَةِ، والغِشِّ، وسَرِقَةِ المالِ العامِّ، وتَعْذِيبِ الأبْرِياءِ، وغَيْرِها، فأَيُّ تَدَيُّنٍ أكْذَبُ مِنْ أنْ يَحْرِصَ أحَدُنا عَلى عَدَمِ دُخُولِ حَبَّةِ فُولٍ أوْ قَطْرَةِ ماءٍ إلى جَوْفِهِ فِي نَهارِ رَمَضانَ، لَكِنَّهُ لا يَتَوَرَّعُ لَحْظةً عَنْ دُخُولِ أُلُوفِ الدُّولاراتِ إلى جَيْبِهِ عَنْ طَرِيقِ الحَرامِ؟

مقالات مشابهة

هَكَذا جَعَلُونِي مُفْطِرًا!

منذ 0 ثانية

أ. نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الزَّكَاةُ طَهَارَةٌ وَبَرَكَةٌ

منذ 2 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

بَعْدَ الطَّاعَاتِ.. طَلَبُ القَبُولِ وَالثَّبَاتُ

منذ 8 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

هَكَذا جَعَلُونِي مُفْطِرًا!

منذ 0 ثانية2655
هَدْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ

منذ 3 ثانية2964
أفكار وأنشطة تربوية لطلاب وطالبات جلسات التحفيظ القرآنية في المساجد

منذ 54 ثانية35461
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi