
فَخَيْرُ مَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ المُسْلِمُ مَوَاسِمَ الخَيْرِ -وَمِنْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ- مَا يَلِي:
أَوَّلًا/ التَّوْبَةُ:
إِذْ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي اسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، قَالَ اللهِ تَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التَّحْرِيم:8]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَلَا بُدَّ لِلْتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنْ شُرُوطٍ، مِنْهَا إِذَا كَانَتِ المَعْصِيَةُ فِي حَقِّ اللهِ، هِيَ: الإِقْلَاعُ عَنِ المَعْصِيَةِ، وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِ المَعْصِيَةِ، وَالعَزْمُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ فَاعِلُهَا إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى، أَمَّا إِذَا كَانَتِ المَعْصِيَةُ فِي حَقِّ إِنْسَانٍ فَيُضَافُ لِمَا سَبَقَ شَرْطٌ رَابِعٌ، هُوَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنَ المَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ المَظَالِمِ إِلَى أَصْحَابِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مَادِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً.
ثَانِيًا/ العَزْمُ عَلَى اغْتِنَامِ أَوْقَاتِ رَمَضَانَ:
وَهَذِهِ نِيَّةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا، فَيَجْعَلُ المُسْلِمُ لِنَفْسِهِ بَرْنَامَجًا يُنَظِّمُ أَوْقَاتَهُ لِيُحْسِنَ اسْتِغْلَالَهَا بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالى، فَرَمَضَانُ سُوقٌ يُشْرِعُ أَبْوَابَهُ لِلْدَّاخِلِينَ لِيَغْتَنِمُوا كُلَّ لَحْظَةٍ مِنْهُ، فَأَوْقَاتُهُ غَالِيَةٌ لَا تَمَاثُلَ بِغَيْرِهَا، وَمِمَّا يَجْدُرُ الاهْتِمَامُ بِهِ: القُرْآنُ الكَرِيمُ -تِلَاوَةً وَحِفْظًا وَإِجَادَةً-، وَالمُحَافَظَةُ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالى وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحُضُورُ مَجَالِسِ العِلْمِ، وَالمُشَارَكَةُ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَصِلَةُ الأَرْحَامِ وَالأَقَارِبِ، وَالصَّدَقَةُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ، وَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَالتَّهَجُّدِ، وَاسْتِحْضَارُ نِيَّةِ الاعْتِكَافِ عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ، وَالتَّأَدُّبُ بِأَخْلَاقِ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ المُتَصَدِّقِينَ العَابِدِينَ.. إلخ.
وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ بِفِعْلِ الخَيْرِ وَاسْتِغْلَالِ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ رَجَاءَ أَنْ تُصِيبَنَا رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ» [المُعْجَمُ الكَبِيرُ لِلْطَّبَرَانِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَمِمَّا يُوْجِبُ العَزْمَ عَلَى اسْتِغَلَالِ أَوْقَاتِ رَمَضَانَ قَوْلُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» [سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وَقَوْلُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ اُفْتُرِضَ الله عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ].
اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَسَلِّمْنَا لَهُ، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا.