
الرُّجُولَةُ مَعْناها كَمالُ الصِّفاتِ المُمَيِّزَةِ لِلْرَّجُلِ، والعَرَبُ تَقُوْلُ فِي المُقابَلَةِ بَيْنَ الاثْنَيْنِ وتَفَوُّقِ أحَدِهما عَلى صاحِبِه: وهُوَ أَرْجَلُ الرَّجُلَيْنِ، أَي أَشَدُهُما، ويُقالُ: رَجُلُ السَّاعَةِ أو رَجُلُ المَوْقِفِ: الَّذِي يَتَوَلَّى إِنْجَازَ الْمَهَامِّ الصَّعْبَةِ فِي اللَّحَظَاتِ الحَرِجَةِ، وفِي المُباهاةِ بِالْشَّرَفِ والثَّناءِ يُقالُ: " هُوَ مِنْ رِجَالاَتِ قَوْمِهِ ": مِنْ كِبَارِهَا وَسَادَتِهَا وَعُظَمَائِهَا.
ومَعالِمُ الرُّجُوْلَةِ تَتَمَثَّلُ فِيْما يَلِيْ:
أوَّلاً: مِيْزانُ الرِّجالِ فِي شَرِيْعَةِ الإسْلامِ مَنْ كانَتْ أعْمالُهُ فاضِلَةً وأخْلاقُهُ حَسَنَةً:
فَفِي البُخَارِيِّ أَنَّهُ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» [رواه البخاري].
ثانياً: الرِّجالُ لا يُقاسُوْنَ بِضَخامَةِ أجْسادِهِم وَبَهاءِ صُوَرِهِم:
فَعَنْ عَليِّ بْنِ أبِي طالِبٍ -رضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ مَسْعُودٍ -رضِي اللهُ عَنْهُ- فَصَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حِينَ صَعِدَ الشَّجَرَةَ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَفِي مُسْنَدِ أحْمَدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَضْحَكُونَ؟ لَرِجْلُ عَبْدِ اللَّهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ» [رواه أحمد].
ثالثاً: الرُّجُوْلَةُ رَأْيٌ سَدِيْدٌ وكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ ومُرُوْءَةٌ وشَهامَةٌ وتَضامُنٌ:
فهِيَ تَحَمُّلُ المَسْئُوْلِيَّةِ فِي الذَّبِّ عَن الدِّيْنِ، فَالرَّجُلُ الواحِدُ قَدْ يُنْقِذُ المَوْقِفَ بِمُفْرَدِهِ؛ بِما حَباهُ اللهُ مِنَ الخَصائِصِ الإيْمانِيَّةِ والمَواقِفِ الرُّجُوْلِيَّةِ التِي رُبَّما عَمِلَها بِمُفْرَدِهِ، وفِي القُرْآنِ فِي قِصَّةِ مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلامُ حِيْنَ قَتَلَ القِبْطِيَّ: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص:20]، وفِي قِصَّةِ أصْحابِ القَرْيَةِ إذْ جاءَها المُرْسَلُوْنَ: ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يس:20].
رابعاً: الرِّجالُ الحَقِيْقِيُّوْنَ مِنْ هذهِ الأُمَّةِ أصْحابُ مَواقِفٍ:
فَالرَّجُوْلَةُ قُوَّةٌ فِي القَوْلِ، وصَدْعٌ بِالْحَقِّ، وتَحْذِيْرٌ مِن المُخالَفَةِ لِأَمْرِ اللهِ، وقَدْ يَتَمَثَّلُ هذا فِي رَجُلٍ أوْ مُجْتَمَعٍ أوْ شَعْبٍ مِنَ الشُّعُوْبِ المُسْلِمَةِ، فَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ كانَ وحِيْداً لَكِنَّهُ كانَ رَجُلاً، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ [غافر:28].
خامساً: الرُّجُوْلَةُ صُمُوْدٌ أمامَ المُلْهِياتِ، واسْتِعْلاءٌ عَلى المُغْرِياتِ:
حَذَرَاً مِنْ يَوْمٍ عَصِيْبٍ، والرَّجُلُ هو الذِي أخْضَعَ ذاتَه ونَفْسَه لِمَنْهَجِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَهْماً وسُلُوْكاً؛ فهُوَ دائِمُ الذِّكْرِ للهِ عزَّ وجَلَّ ولا يَنْشَغِلُ بِالدُّنْيا عَن الآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [الحج:37].
سادساً: الرَّجُلُ الحَقُّ يَصْدُقُ فِي عَهْدِهِ، ويَفِيْ بِوَعْدِهِ، ويَثْبُتُ عَلى الطَّرِيْقِ:
قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب:23].
سابعاً: مِن َالرُّجُوْلَةِ القِوامَةُ عَلى الأُسْرَةِ:
قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النِّساء:34]، ولا يَقْدَحُ فِي رُجُولَةِ الرَّجُلِ أنْ يُعِيْنَ أهْلَه، فَفِي مُسْنَدِ الإمامِ أحْمَدَ: "سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ" [رواه أحمد].