
إِنَّ ظَاهِرَةَ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ وَأَكْبَرِ المُوبِقَاتِ التِي شَاعَتْ فِي زَمَنِنَا الحَالِي فِي العَدِيدِ مِنْ مُجْتَمَعَاتِنَا الإِسْلامِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ السَّيِّئَةُ تَخْتَلِفُ مِنْ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ لِآخَرَ فِي انْتِشَارِها أَوْ مَحْدُودِيَّتِها بِاخْتِلافِ وُجُودِ عَوَامِلَ مُتَنَوِّعَةٍ تُسَاهِمُ فِي هَذَا الانْتِشَارِ أوْ الانْحِسَارِ لِهَذِهِ الظَّاهِرَةِ المَرَضِيَّةِ، إِلَّا أَنَّها تَظَلُّ وَدُونَ أَدْنَى شَكٍّ مِنْ أَعْظَمِ عَوَامِلِ التَّدْمِيرِ الذَّاتِيِّ فِي المُجْتَمَعِ وَتَقْوِيضِ قِيَمِ العِفَّةِ وَالحَيَاءِ وَالطَّهَارَةِ وَإِشَاعَةِ الفَاحِشَةِ وَالرَّذِيلَةِ فِيهِ.
وَقَدْ حَذَّرَ الشَّرْعُ الحَنِيفُ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ أَيَّمَا تَحْذِيرٍ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ»، وَقَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» [رواه مسلم]، وقال: «رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ «[رواه البخاري]، وقال: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» [رواه مسلم]، وَهَذَا تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنَ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ.
وَالمُتَأَمِّلُ فِي النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِدُ التَّحْذِيرَ الجَازِمَ وَالصَّارِمَ مِنْ هَذِهِ الكَبِيرَةِ التِي قَدْ يَقَعُ بِهَا بَعْضُ نِسَاءِ المُسْلِمِينَ بِعِلْمٍ أَوْ بِدُونِ عِلْمٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ [الأحزاب:59]، فَالإِيْذَاءُ كُلُّ الإِيذَاءِ فِي أَنْ تَكْشِفَ المَرْأَةُ عَوْرَتَها وَتُبْرِزَ مَفَاتِنَهَا لِلْرِّجَالِ، وَالأَذَى هَاهُنَا أَذَىً شَخْصِيٌّ فِي تَعَرُّضِ تِلْكَ المَرْأَةِ لِلْتَّحَرُّشِ مِنَ الرِّجَالِ المَفْتُونِينَ بِهَا وَمُلاحَقَتِها بِفُحْشِ القَوْلِ، وَمُقَدِّمَةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْزِّنَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَإِيذَاءٌ عَامٌّ لِلْمُجْتَمَعِ الذِي سَتَنْحَدِرُ فِيهِ قِيَمُ العِفَّةِ وَالحِشْمَةِ وَالحَيَاءِ!، بَلْ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ خَصَّصَ الخِطَابَ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ اللَّوَاتِي هُنَّ أُمَّهَاتُ المُؤْمِنِينَ بِالْتِزَامِ الزِّيِّ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الحِجَابُ وَهُنَّ أَطْهَرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ وَأَكْثَرُهُنَّ عِفَّةً وَطُهْرًا، فَمَا بَالُنا بِمَنْ دُونَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ؟!، قَالَ تَعَالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب:33،32].
وَإِنَّ الهَدْيَ الحَكِيمَ نَهَى عَنْ مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا، وَشَدَّدَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ المُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّ التَّهَاوُنَ فِيهَا سَيُؤَدِّي لِلْوُقُوعِ فِي فَاحِشَةِ الزِّنَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [البقرة:٢٠٨]، لِذَلِكَ كانَ النَّهْيُ عَنْ الاخْتِلاطِ المُحَرَّمِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب:53].
وَمِنْ أَوْجُهِ السُّفُورِ وَالتَّبَرُّجِ المَنْهِيِّ عَنْهُ هُوَ خُرُوجُ المَرْأَةِ مِنْ بَيْتِها أَوْ بَيْتِ زَوْجِها وَهِيَ تَضَعُ العِطْرَ وَمَا يَنْجُمُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ فِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ فَيَحْدُثُ مَا لا يُحْمَدُ عُقْبَاهُ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُنا الكَرِيمُ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ- مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ تَحْذِيرٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانٍ فِي صَحِيحِهم قَوْلَهُ -صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ].
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الأَوْلَى بِالْمُجْتَمَعِ المُسْلِمِ أَنْ يَتَوَاصَى عُقَلاؤُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْ يَتَنَاهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَأَنْ يَبْتَعِدُوا عَنْ بَرِيدِ الزِّنَا وَمُقَدِّمَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ فِي حِفْظِ النِّعَمِ وَنُزُولِ البَرَكَةِ وَحُصُولِ رِضَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.