شريط الأخبار

حُكْمُ العَلْمَانِيَّةِ

أ. محمد سلامة - خطيب بوَزارة الأوقاف   منذ 0 ثانية 2547

سَيْطَرَتِ الكَنِيسَةُ سَابِقًا عَلى مُجْرَيَاتِ الحَيَاةِ بِقَوَانِينِهَا المُجَرَّدَةِ عَنْ مَصَالِحِ النَّاسِ، وَالمُسْتَغِلَّةِ لِخَيْرَاتِهِم وَالمُنَاقِضَةِ أَحْيَانًا لِسُنَنِ الكَوْنِ، وَمَا إِنْ يَظْهَرْ عَالِمٌ بِنَظَرِيَّةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلى بَرَاهِينَ عِلْمِيَّةٍ تَكُونُ مُخَالِفَةً لِكِتَابَاتِ الكَنِيسَةِ حَتَّى يَتِمَّ إِعْدَامُهُ أَوْ يَتَرَاجَعْ عَنْ نَظَرِيَّتِهِ، إِلَى أَنْ جَاءَ العَصْرُ بِثَوْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ يَقْضِي فِيهَا عَلى حُكْمِ الكَنِيسَةِ إِلى حُكْمِ الشَّعْبِ أَوِ العَامَّةِ، وَهِيَ تَرْجَمَةٌ لِلْعَلْمَانِيَّةِ بِالْلُّغَةِ اليُونَانِيَّةِ وَتَتْبَعُها الإِنْجلِيزيَّةُ وَالفَرَنْسِيَّةُ لِتُصْبِحَ العَلْمَانِيَّةُ مُصْطَلَحًا يَفْصِلُ بَيْنَ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ، فَمَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ، وَانْتَقَلَ هَذَا المُصْطَلَحُ إِلَى بِلَادِ المُسْلِمِينَ بِزِينَتِهِ الدَّاعِيَةِ إِلَى العِلْمِ، وَرُؤْيَةِ جَمَالِ صُوَرِ النَّهْضَةِ الصِّنَاعِيَّةِ وَالتِّكْنُولوجِيَّةِ، فَأَبْهَرَتِ النَّاسَ.

لَقَدْ جَعَلَتْ أُورُوبَّا الكَنِيسَةَ هِيَ الدِّينَ، فَكَثُرَ الإِلْحَادُ بَيْنَهُمْ، أَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَهُمْ نَزْوَةً وَقْتِيَّةً وَأَحْيَانًا يَجْتَمِعُ مَعَهَا المَكَانُ، فَلَقَدْ صَوَّرَ قَادَةُ الرَّأْيِ مِنَ الخَبِيثِينَ أَنَّ المَسْجِدَ هُوَ الإِسْلَامُ عَلَى غِرَارِ مَا سَبَقَ، لِيَكُونَ مَكَانًا لِلْعِبَادَاتِ بَعِيدًا عَنْ آثَارِهِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ، وَبِرَفْضِ الأَوَّلِينَ لِديكتاتُورِيَّةِ الكَنِيسَةِ تَبِعُوُهُمْ لِرَفْضِ حُكْمِ الإِسْلَامِ المِثْلَ بِالْمِثْلِ إِذْ إِنَّ صُورَةَ الحُكْمِ فِي الغَرْبِ هِيَ المَثَلُ الأَعْلَى لِلْمُسْتَوْرِدِينَ وَخَاصَّةً بَعْدَ تَخَلُّفٍ أَصَابَ المُسْلِمِينَ فِي مَنَاحٍ كَثِيرَةٍ، وَظَنُّوا أَنَّ الدِّينَ هُوَ المُعِيقُ لِحَرَكَةِ الحَيَاةِ وَمُثَبِّطٌ لِلْنَّهْضَةِ وَأَفْيُونُ الشُّعُوبِ، وَقَدْ سَاعَدَهُمْ فِي ذَلِكَ جَهْلُ بَعْضِ الدَّاعِينَ إِلَى الإِسْلَامِ، لَكِنْ هَلْ نَجَحَتْ أُورُوبَّا فِي الحُكْمِ؟!، قَدْ يَتَرَاءَى أَمَامَنا نَهْضَةٌ اقْتِصَادِيَّةٌ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّها مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَهَمِّ سَبَبٍ لِلْانْهِيارِ، أَلَا وَهُوَ التَّعَامُلُ بِالرِّبَا الذِي يَرْسُمُ مَعَالِمَ الطَّبَقِيَّةِ ثُمَّ هُوَ تَفَكُّكٌ اجْتِمَاعِيٌّ يَقُومُ عَلى الأَنَانِيَّةِ، غَيْرَ نَاكِرِينَ نَجَاحَ البِلَادِ فِي مَحَطَّاتٍ كَثِيرَةٍ.

لَوْ نَظَرْنا إِلَى دِينِ الإِسْلَامِ لَوَجَدْنَا أَنَّهُ يَدْعُونا إلى أَنْ نَحْكُمَ بِالْعِلْمِ وَنُحَارِبَ مُخَالَفَتَهُ، قَال تَعَالى: ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة:50]، وَحِينَ ضَرَبَ لَنَا مِثَالًا على الحُكْمِ الرَّشِيدِ لِرَجُلِ النَّهْضَةِ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قَال اللهُ تَعَالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسُف:22]، وَكَذَلِكَ كَانَ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

لَقَدْ جَاءَتِ السِّيَاسَةُ فِي الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ لِتَحْقِيقِ مَصَالِحِ العِبَادِ فِي الدُّنْيا وَالفَوْزِ فِي الآخِرَةِ، فَوَضَعَتْ مَنْظُورًا شَامِلًا لِمَجَالَاتِ الحَيَاةِ كُلِّهَا دُونَ الخَوْضِ فِي التَّفَاصِيلِ وَالتِي تَحْتَاجُ إِلى عُلَمَاءَ مُتَخَصِّصِينَ فِي فُنُونِها، فَأَحَلَّتِ البَيْعَ وَحَرَّمَتِ الرِّبَا، وَوَضَعَتْ قَوَاعِدَ عَامَّةً لِلْنَّهْضَةِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَتَدَاوُلِ المَالِ دُونَ تَفْصِيلَاتٍ مُحَدِّدَةٍ، وَوَضَعَتْ سُنَنًا كَوْنِيَّةً يَسِيرُ بِهَا الإِنْسَانُ لِلْنَّجَاةِ، وَتَرَكَتْ اجْتِهَادَاتٍ فِي مَنْظُومَةِ الحَيَاةِ بِمَا يَرَى أَهْلُ الحَلِّ وَالعَقْدِ فِيهِ المَصْلَحَةَ العَامَّةَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ» [رواه ابن خزيمة وابن حبان].

وَلَعَلَّ السُّؤَالَ الذِي يَدُورُ فِي خَلَدِ المُسْلِمِينَ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ﴾ [يوسُف:40]، وَالنَّاظِرُ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَعَ مَا قَبْلَها يَجِدُ أَنَّها مُرْتَبِطَةٌ بِأُمُورِ العَقِيدَةِ وَالعِبَادَاتِ الشَّعَائِرِيَّةِ بِمَا لَيْسَ فِيهَا اجْتِهَادٌ بَشَرِيٌّ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَنَ الكَوْنِ خَاضِعَةٌ لِإِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ، وَالفَهْمُ الخَاطِئُ لِهَذِهِ الآيَةِ هُوَ الذِي أَنْشَأَ فِرْقَةَ الخَوَارِجِ عَلى مَدَارِ الأَزْمَانِ، فَحَارَبُوا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِتِلْكَ المَقُولَةِ، فَرَدَّ قَائِلًا: "كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِها بَاطِلٌ"، ثُمَّ هُنَاكَ سُؤَالٌ آخَرُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44]، فَإِنَّ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فِيهِ المُحْكَمُ، وَهِيَ المَبَادِئُ العَامَّةُ عَقِيدَةً وَأَخْلَاقًا وَتَشْرِيعًا وَسُنَناً كَوْنِيَّةً لا تَحِيدُ، وَمِنْهَا مُتَشَابِهٌ دَعَانا رَبُّنا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِلاجْتِهَادِ المَبْنِيِّ عَلى العِلْمِ لَا الأَهْوَاءِ وَالظُّنُونِ، فَحِينَمَا نَقُولُ حُكْمَ العِلْمِ فَإِنَّما نُرِيدُ حُكْمَ اللهِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام:124].

مقالات مشابهة

حُكْمُ العَلْمَانِيَّةِ

منذ 0 ثانية

أ. محمد سلامة - خطيب بوَزارة الأوقاف  

سُنَّةُ اللهِ فِي إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ

منذ 1دقيقة

د. محمد كمال سالم - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

نَماذِجُ مِنْ مَواقِفِ الرِّجالِ

منذ 2 دقيقة

د. نمر محمد أبو عون - خطيب بوزارة الأوقاف

آفَةُ الإسْرافِ

منذ 3 دقيقة

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

حُكْمُ العَلْمَانِيَّةِ

منذ 0 ثانية2547
مشروع رحلة للأيتام في يوم اليتيم العالمي .. وأفكار عملية أخرى

منذ 28 ثانية4035
آثار ومفاسد التطلع للإمارة على الداعية

منذ 1دقيقة3043
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi