
وَاجِبُ الوَقْتِ فِي الشَّدَائِدِ تَثْبِيتُ النَّاسِ، وَالبِشَارَةُ بِنَصْرِ اللهِ وَفَتْحِهِ، وَغَرْسُ الأمَلِ وَالطَّمَأْنِينَةِ فِي القُلُوبِ الكَسِيرَةِ وَالنُّفُوسِ اليَائِسَةِ، وَهَذَا مَنْهَجٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ أَرْسَتْ مَبَادِئَهُ أَحْدَاثُ السِّيرَةِ العَطِرَةِ، وَنُصُوصُ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ عَلَى صَاحبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ.
وَمِنْ مَيَادِينِ ذَلِكَ مَنَابِرُ المَسَاجِدِ، وَوَسَائِلُ الإِعْلَامِ، وَمَنَصَّاتُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ عَلَى اخْتِلَافِهَا؛ ذَلِكَ أَنَّهَا تَصِلُ كُلَّ فَرْدٍ، وَتُؤَثِّرُ فِي السُّلُوكِ الفَرْدِيِّ وَالجَمَاعِيِّ.
وَمِنَ التَّوْجِيهَاتِ القُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ فِي ذَلِكَ: كَرَاهَةُ تَمَنِّي لِقَاءِ العَدُوِّ، وَالثَّبَاتُ فِي المَيْدَانِ إِذَا فُرِضَتِ المُوَاجَهَةُ، وَالتَّفَاؤُلُ غَيْرُ المُفْرِطِ، وَالتَّذْكِيرُ بِالْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ؛ كَالتَّوْبَةِ، وَرَدِّ المَظَالِمِ، وَإِعْدَادِ القُوَّةِ، وَالحَذَرِ مِنْ مَكْرِ العَدُوِّ، وَالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ وَالمُرَابَطَةِ.
وَيَجِبُ تَحْذِيرُ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ مِنْ تَرْوِيجِ الشَّائِعَاتِ، وَتَصْدِيقِهَا، وَنَشْرِ الأَخْبَارِ قَبْلَ التَّيَقُّنِ مِنْ صِدْقِهَا، وَالتَّأَكُّدِ مِنْ عَدَمِ تَرَتُّبِ أَيِّ مَفَاسِدَ عَلَيْهَا، وَيَنْبَغِي تَنْفِيرُ غَيْرِ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ مِنْ مُتَابَعَةِ الأَبْوَاقِ الإِعْلَامِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْعَدُوِّ؛ فَإِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ وَسَائلِهِ فِي عُدْوَانِهِ عَلَيْنَا.
كَمَا يَحْسُنُ فِي هَذِهِ المَوَاطِنِ التَّذْكِيرُ بِقَوَانِينِ النَّصْرِ وَسُنَنِهِ الوَارِدَةِ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ ذَلِكَ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَحْدَهُ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْرِ القِلَّةِ القَلِيلَةِ المُؤْمِنَةِ عَلَى الكَثْرَةِ الكَثِيرَةِ الكَافِرَةِ؛ كَمَا حَدَثَ فِي قِصَّةِ طَالُوتَ وَجَالُوتَ، وَفِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى، وَقَدْ يَنْصُرُ اللهُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ جَيْشٌ وَلَا سِلَاحٌ عَلَى الجُيُوشِ المُدَجَّجَةِ بِالسِّلَاحِ، وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ فِي الهِجْرَةِ؛ إِذْ سَمَّاها اللهُ نَصْراً.
كَمَا أَنَّ النَّصْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ وَبِهِمْ، وَكَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ نَصْرُ المُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ جُنْدَهُ لَهُمُ الغَالِبُونَ، وَهُوَ الذِي أيَّدَ رَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَطَلَّبُ سَعْيَاً لِغَرْسِ مَعَالِمِ الْجُنْدِيَّةِ القَائِمَةِ عَلَى الْتِزَامِ حُدُودِ اللهِ، وَتَطْبِيقِ شَرْعِهِ فِي النُّفُوسِ.
وَمِنَ الوَسَائِلِ التِي تَبْعَثُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ أَمَلاً وَتَفَاؤُلاً تَذْكِيرُهُمْ بِأَنَّنَا نَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ فِي كَفَالَةِ اللهِ، وَتَحُفُّهُمْ دَعَوَاتُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ، وَتَحْرُسُهُمُ المَلَائِكَةُ الكِرَامُ، وَأَنَّ رَحْمَةَ اللهِ لَا مُمْسِكَ لَهَا، وَأَنَّ عَدُوَّنَا لَنْ يَضُرَّنَا إِلَّا أَذَىً.
مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الوُعُودَ الرَّبَّانِيَّةَ وَالبِشَارَاتِ النَّبَوِيَّةَ، إِنَّمَا تُنَالُ بِالْتِزَامِ التَّكْلِيفَاتِ الشَّرْعِيِّةِ القَائِمَةِ عَلَى وُجُوبِ الإِعْدَادِ الجَيِّدِ بَعْدَ التَّوَكُّلِ الكَامِلِ عَلَى المَوْلَى، وَالأَخْذِ بِمَا نَسْتَطِيعُ مِنْ أَسْبَابِ القُوَّةِ المَادِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ، دُونَ الاغْتِرَارِ بِمَا نَمْلِكُ، وَاللُّجُوءِ الكَامِلِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَعَ البُعْدِ عَنْ خَوْضِ المُغَامَرَاتِ غَيْرِ المَحْسُوبَةِ.. وَلَنْ يَقَعَ فِي مُلْكِ اللهِ إِلَّا مَا يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ.
وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمُ.