
طَبِيعَةُ الإِنْسَانِ لَا يَعْرِفُ اللهَ إِلَّا فِي الشِّدَّةِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا﴾ [الإِسْرَاء:67]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يُونُس:12]، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَدْعُوهُ فِي البَحْرِ أَنْ يُنْجِيَ سَفِينَتَنَا *** فَإِنْ رَجَعْنَا إِلَى الشَّاطِئِ عَصَيْنَاهُ
لِذَا قَدْ يَبْتَلِي اللهُ عِبَادَهُ، وَمِنْ أَصْنَافِ هَذَا الابْتِلَاءِ: ضِيقُ العَيْشِ وَقِلَّةُ الرِّزْقِ، مِمَّا قَدْ يُحْدِثُ عِنْدَ النَّاسِ نَوْعاً مِنَ السَّخَطِ وَعَدَمِ الرِّضَا، فَقَالَ تَعَالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفَجْر:15-16]، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ الحَقَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلَّا الخَيْرُ، فَيَصْبِرُ وَيَحْتَسِبُ، وَهَذَا الضِّيقُ في العيش وَالقِلَّةُ فِي الرِّزْقِ لَهُمَا عِلَاجٌ، أَبْرَزُهُ مَا يَلِي:
أَوَّلاً/ اليَقِينُ: فَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، قَال تَعَالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التَّوْبة:51]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ» [رواه مسلم].
ثَانِياً/ العَوْدَةُ إِلَى اللهِ: وَذَلِكَ بِكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ، فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَمْ يَبْتَلِي المُؤْمِنَ إِلَّا بِسَبَبِ ذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ، فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ، قَالَ تَعَالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البَقَرة:165]، فَالْعِلَاجُ هُوَ فِي الاسْتِغْفَارِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].
ثَالِثًا/ الدُّعَاءُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْرَّجُلِ المَهْمُومِ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَاتٍ إِنْ قُلْتَهُنَّ أَذْهَبَ اللهُ هَمَّكَ وَأَزَالَ غَمَّكَ؟»، فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَوَجَّهَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي» [رواه أحمد].
رَابِعًا/ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟، فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»، قُلْتُ: الرُبُعَ؟، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: النِّصْفَ؟، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟، قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» [رواه الترمذي].