
فَلَا يَزَالُ أَسْرَانَا الأَبْطَالُ فِي سُجُونِ الاحْتِلَالِ الصُّهْيُونِيِّ يَخُوضُونَ مَعْرَكَةَ الكَرَامَةِ فِي وَجْهِ سَجَّانِيهِمُ الظَّالِمِينَ، وَهَا هِيَ مُعَانَاتُهُمْ تَزْدَادُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ؛ بَلْ لَحْظَةً بَعْدَ لَحْظَةٍ، وَمَعَ ازْدِيَادِ مُعَانَاتِهِمْ تَزْدَادُ حَاجَتُهُمْ إِلَى الحُرِّيَّةِ، وَيَعْظُمُ التَّكْلِيفُ الشَّرْعِيُّ وَالإِنْسَانِيُّ وَالوَطَنِيُّ فِي حَقِّ الأُمَّةِ كُلِّهَا -فُرَادَىً وَجَمَاعَاتٍ- بِالْعَمَلِ الدَّؤُوبِ لِكَيْ يَتَنَسَّمُوا الحُرِّيَّةَ، وَيَنْعَمُوا بِالْخَلَاصِ.
وَلِأَنَّ الحُرِّيَّةَ تَعْنِي الحَيَاةَ، وَحَبْسُهَا المَوْتُ؛ فَقَدْ عَدَّ دِينُنَا الحَنِيفُ السَّعْيَ لِفِكَاكِ الأَسِيرِ المُسْلِمِ مِنْ أَوْجَبِ الفَرَائِضِ، وَهَذَا مِمَّا كَتَبَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى أَهْلِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ، إِذْ قَالَ تَعَالى عَنِ اليَهُودِ: ﴿وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾ [البَقَرة:85]، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْعَانِي الأَسِيرُ، وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لا، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
وَقَدْ ذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا إِلَى وُجُوبِ العَمَلِ لِفِكَاكِ الأَسِيرِ المُسْلِمِ الوَاحِدِ مِنْ أَيْدِي الكُفَّارِ، وَيَجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ الجُمْهُورِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ مَشْرُوعَةٍ، كَالْقِتَالِ وَالتَّفَاوُضِ وَالمُفَادَاةِ بِأَسْرَاهُمْ أَوْ بِالْمَالِ، وَلَوْ كَلَّفَ ذَلِكَ الأَرْوَاحَ وَالدِّمَاءَ وَالأَمْوَالَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ إِنْ كَانَتْ تَرْخُصُ فِي سَبِيلِ تَحْرِيرِ الدِّيَارِ، فَهِيَ لِتَحْرِيرِ المُسْلِمِ آكَدُ وَأَوْجَبُ، فَحُرْمَةُ المُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدِّيَارِ، فَكَيْفَ وَالحَالُ أَنَّ آلَافَ المُسْلِمِينَ المُسْتَضْعَفِينَ يَرْزَحُونَ تَحْتَ نَيْرِ السَّجَّانِ اليَهُودِيِّ الظَّالِمِ.
وَمِنْ أَقْوَالِ عُلَمَائِنَا فِي نُصْرَةِ الأَسْرَى وَفِكَاكِهِمْ:
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَجِبُ فِدَاءُ أَسْرَى المُسْلِمِينَ إِذَا أَمْكَنَ.
وَسُئِلَ النَّوَوِيُّ: لَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَيْنِ هَلْ هُوَ كَدُخُولِ أَرْضِ الإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: هُنَاكَ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ المُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ.
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فِدَاءُ الأُسَارَى وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ المَالِكِيُّ: يَجِبُ اسْتِنْقَاذُهُمْ مِنْ يَدِ الكُفَّارِ بِالْقِتَالِ، فَإِنْ عَجَزَ المُسْلِمُونَ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الفِدَاءُ بِالْمَالِ، فَيَجِبُ عَلَى الغَنِيِّ فِدَاءُ نَفْسِهِ، وَعَلَى الإِمَامِ فِدَاءُ الفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ المَالِ، فَمَا نَقَصَ تَعَيَّنَ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِ المُسْلِمِينَ وَلَوْ أَتَى عَلَيْهَا.
وَقَالَ العِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِنْقَاذُ أَسْرَى المُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الكُفَّارِ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: إِذَا أَسَرُوا مُسْلِمًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاظِبَ عَلَى قِتَالِهِمْ حَتَّى نُخَلِّصَهُ أَوْ نُبِيدَهُمْ، فَمَا الظَّنُّ إِذَا أَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ المُسْلِمِينَ؟!!.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فِكَاكُ الأُسَارَى مِنْ أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ، وَبَذْلُ المَالِ المَوْقُوفِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: وَالنُّصْرَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَنْ لَا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إِلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إِنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ.
وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ عَمَلُهُ نُصْرَةً لِأَسْرَانَا وَفِكَاكًا لَهُمْ مَا يَلِي:
1. الدُّعَاءُ لَهُمْ، فَدُعَاءُ الأَخِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابٌ.
2. المُشَارَكَةُ فِي الأَنْشِطَةِ وَالفَعَالِيَّاتِ المُعَدَّةِ لِنُصْرَتِهِمْ.
3. مُنَاصَرَةُ قَضِيَّةِ الأَسْرَى عَبْرَ المَوَاقِعِ الإِعْلَامِيَّةِ كَافَّةً.
4. تَفْعِيلُ قَضِيَّةِ الأَسْرَى فِي المَحَافِلِ الدُّوَلِيَّةِ وَالمُؤَسَّسَاتِ ذَاتِ الصِّلَةِ بِحُقُوقِ الإِنْسَانِ.
5. تَنْظِيمُ الفَعَالِيَّاتِ المُنَاصِرَةِ لِلْأَسْرَى بِالْتَّعَاوُنِ مَعَ المُؤَسَّسَاتِ وَالهَيْئَاتِ التِي تَخْتَصُّ بِحُقُوقِ الإِنْسَانِ بِمُشَارَكَةِ النَّاشِطِينَ مِنْ أَحْرَارِ العَالَمِ بِجِنْسِيَّاتِهِمُ المُتَعَدِّدَةِ.
6. تَنْظِيمُ الفَعَالِيَّاتِ المُسَانِدَةِ لِقَضِيَّةِ الأَسْرَى فِي الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ وَالإِسْلَامِيَّةِ؛ بِهَدَفِ إِيجَادِ رَأْيٍ شَعْبِيٍّ مُؤَازِرٍ لَهَا لَدَى المُؤَسَّسَاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَالقِطَاعَاتِ المُخْتَلِفَةِ، مِثْلَ: طَلَبَةِ المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ وَالمُؤَسَّسَاتِ... إِلَخ.
7. مُسَانَدَةُ فَصَائِلِ المُقَاوَمَةِ التِي تَأْسِرُ مِنْ جُنُودِ الاحْتِلَالِ وَمُسْتَوْطِنِيهِ، وَالالْتِفَافُ حَوْلَها حَتَّى يَرْضَخَ المُحْتَلُّ لِمَطَالِبِهَا بِفِكَاكِ أَسْرَى شَعْبِنَا.
8. زِيَارَةُ عَوَائِلِ الأَسْرَى، وَالْعَمَلُ عَلَى دَعْمِهِمْ مَعْنَوِيًّا وَمَادِيًّا.