مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ جَعَلَ لَهُمْ مَوَاسِمَ يَتَزَوَّدُونَ فِيهَا مِنَ الحَسَنَاتِ، وَتُغْفَرُ لَهُمْ فِيهَا الزَّلَّاتُ، مِنْ أَشْرَفِهَا: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ، فَيَا لَهُ مِنْ مِنْحَةٍ قَيِّمَةٍ، حَيْثُ تَسْمُو النَّفْسُ فِيهِ، وَتَرْتَعُ فِي رِيَاضِ الطَّاعَةِ؛ لِتَرْتَشِفَ مِنْ مَعِينِهِ الصَّافِي، وَتَتَزَوَّدَ مِنْ بَرَكَتِهِ العَامِرَةِ، فَيَا لَبُشْرَاكُمْ أَهْلَ الإِيمَانِ بِحُلُولِ هَذَا الشَّهْرِ الأَغَرِّ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ].
فَحُقَّ لَنا أَنْ نَفْرَحَ بِبُلُوغِ هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ؛ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "كَيْفَ لَا يُبَشَّرُ المُؤْمِنُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الجِنَانِ، كَيْفَ لَا يُبَشَّرُ المُذْنِبُ بِغَلْقِ أَبْوَابِ النِّيرَانِ، كَيْفَ لَا يُبَشَّرُ العَاقِلُ بِوَقْتٍ تُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، مِنْ أَيْنَ يُشْبِهُ هَذَا الزَّمَانَ زَمَانُ؟" [لَطَائِفُ المَعَارِفِ: ص 148].
وَلِأَجْلِ هَذِهِ الشُّعَبِ مِنَ العَطَايا؛ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثَوِّرُ عَزَائِمَ المُؤْمِنِينَ بِاسْتِغْلَالِ كُلِّ أَوْقَاتِ هَذَا المَوْسِمِ، بِشَتَّى صُوَرِ الطَّاعَةِ، وَكَانَ يُذَكِّرُهُمْ بِفَضْلِ هَذَا الشَّهْرِ وَمزيَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، وَإِلَيْكُمْ أَحِبَّتِي بَعْضَ فَضَائِلِهِ:
صِيَامُ وَقِيَامُ رَمَضَانَ مَمْحَاةٌ لِلذُّنُوبِ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [أَخْرَجَهُمَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما].
وَفِي رَمَضاَنَ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ/سُنَنِهِ].
وَرَمَضَانُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» [صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ/سُنَنِهِ].
وَرَمَضَانُ طَرِيْقٌ إِلَى الصِّدِيْقِيَةِ: فَعَنْ عَمْروِ بنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَقُمْتُهُ، فَمِمَّنْ أَنَا؟، قَالَ: «مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» [صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانٍ/صَحِيحِهِ].
وَفِي رَمَضَانَ تَتَضَاعَفُ الْأُجُورِ: فَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً»، وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" [أَخْرَجَهُمَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما].
فَيَا أَهْلَ الإِيمَانِ.. هَلُمُّوا إِلَى خَيْرِ العَمَلِ فِي خَيْرِ الشُّهُورِ، امْلَؤُوا كُلَّ رَمَضَانَ بِطَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَغْلِبَكُمُ الشَّيْطَانُ بِلَهْوِهِ وَبَاطِلِهِ، فَتُضَيِّعُوا أَوْقَاتَهُ فِي النَّوْمِ، وَالسَّمَرِ، وَمُتَابَعَةِ كُرَةِ القَدَمِ، وَالمُسَلْسَلَاتِ، وَالأَفْلَامِ، وَغَيْرِهَا مِنْ سُبُلِ البَاطِلِ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.